على مر سنوات الطفولة لم نتعرض لمصطلح الذكاء الاصطناعى إلا في أفلام الخيال العلمي، ولكن في السنوات القليلة الماضية، وبالتحديد مع بداية عام 2018، أصبح الذكاء الاصطناعي حقيقة وخرج من ثوب الخيال، فقد مثّل عام 2018 للذكاء الاصطناعي نقلة كبرى، ليصبح بعدها أداة رئيسية بعدد من التطبيقات والتقنيات تدخل في صلب جميع القطاعات الاستراتيجية، لنعترف به اليوم بكونه جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية.
الأمر الذي ترتب عليه الخوض في ثنايا أعماق الذكاء الاصطناعي بشكل أكبر، فرغم أن بدايته كانت تقف عند حد أنه تقنية كان الغرض منها خدمة الإنسانية والعالم إلا أننا اكتشفنا أنها تقنية تحاكي الذكاء البشري، وربما تفوقه أثناء حل المشاكل بأوقات كثيرة، وبالطبع الأمر الذي نتج عنه جانب مظلم خاصة وأنه تم استخدامه بشكل "غير واعٍ" من قبل المستخدمين، الأمر الذي يجعلهم ضحية لترويج الشائعات والأكاذيب.
ولأن غالبيتنا يستخدم تطبيقات الإنترنت المختلفه دون وعي كافٍ ودون انتباه بأنها ساحة خصبة لنشر الشائعات والأكاذيب، كان بديهيًا أن ننبهر بتقنية الخداع العميق (Deep fake) والتي تمثل نقلة بعيدة المدى بحرب الشائعات، فهذه التقنية رغم بساطة فكرتها، في كونها تقنية ترتكز على تطوير فيديوهات مزيفة تحاكي شخصيات أو مشاهير بشكل مبسط، إلا أنها تطوي تهديدا مباشراً لمجالاتٍ أخرى كمجال عالم أهل السياسة وأسواق المال وصولاً لقدرتها على التأثير بالرأي العام.
فطبقاً لهذه التقنية فإن نظم الذكاء الاصطناعي تمكنت من محاكاة مشاهير بدقة فائقه الجودة لدرجة صعوبة اكتشافها خاصة لمن لم يعاصر هذه الشخصيات، الأمر الذي من السهل أن يترتب عليه سهولة توظيف هذه الفيديوهات المزيفة لعرض مواقف و قضايا غير حقيقية من أجل ترويج شائعة ما أو أكذوبة لها تأثير مباشر أو غير مباشر على الرأي العام.
وهنا يستحضرني مارك زوكربرج المؤسس والمدير التنفيذي لشبكة التواصل الاجتماعي "فيس بوك" كمثال على خطر هذه التقنية فقد تم تصميم فيديو مفبرك لمارك بتقنية الخداع العميق، وهو يُدلي بتصريحات له وهو يسيء إلى شركته. وبشكل غير متوقع حصد الفيديو ملايين المشاهدات، والسبب هو أن كل من شاهد ذلك المقطع بالفعل صدق محتواه، وقام بمشاركته على أوسع نطاق، فلم يستطع أحد من الغالبية تمييز حقيقه أن هذا الفيديو مفبرك، بل الأسواء من ذلك أنهم تعاملوا معه بصفته مقطع "تسريب"، الأمر الذي عزز ثقتهم بالمحتوي مع لمسات عرض تعتمدها تقنيه Deep fake قائمة على الخداع العميق من خلال دراسة نمط وأسلوب لغة جسد وطريقة تحدث الشخصية، بداية من حركات الوجه ووصولًا لمحاكاة نبرة الصوت وذلك باستخدام قاعدة عريضة من التسجيلات الصوتية والفيديوهات السابق عرضها له، الأمر الذي يجعلها بالنهاية تقنية خطيرة قادرة على أن تنتج حديث كامل مزيف لأي شخصية مهما كان موقعها السياسي أو الاجتماعي.
الأمر الذي ينتهي بنا إلى نتيجة يجب أخذها بالاعتبار، هى أن مخاطر انتشار فيديوهات الخداع العميق على مواقع التواصل الاجتماعي، لاتقف عند حد قدرتها على إثارة الرأي العام، بل لها خطر أبعد من ذلك وهو قدرتها على التأثير على قرارات المستثمرين ومؤشرات الأسهم داخل أسواق المال، الأمر الذي يفضي لنتيجة محققة.
ولأنها تقنية بمثابة سلاح، علينا أن نصده بسلاح الإعلام، حتي يتسنى له خلق طرق جديدة لنشر الوعي لمعرفه الفرق بين الأخبار الصحيحة والأخرى المضللة الكاذبة، من خلال تقديمه كافة أنواع التغطيات الشاملة والموضوعية للقضايا المطروحة والمثيرة للجدل حتى تتضح الحقيقة ومع ضرورة محاسبة كافة منصات وتطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي والتي تبث محتويات عرض معلومات وأحداث دون عرض أو وجود لأية مصادر رسمية موثوقة لها.