كما هو متوقع، بدأ دونالد ترامب فى إثارة الجدل والصدمات باختياراته لأعضاء حكومته، وهى اختيارات بدت مثيرة ومربكة فى بعض الأحيان، خاصة أنها تضم عددا من السيناتورات من الصقور، وبعضهم معروف بالعنف والتصادم، بل وإطلاق تصريحات تبدو معادية للأطراف الأخرى والمؤسسية، حيث يستدعى بعض المرشحين لمناصب بحكومة ترامب، بعض النظريات القديمة، أو أفكار اليمين المتطرف فى بناء العلاقات الخارجية، وهو ما قد يقود إلى مواجهة أكثر عنفا بين إسرائيل وإيران، أو تعقيدات فى قضية الشرق الأوسط، بينما أعلن ضمن وعوده أنه لو كان رئيسا ما اشتعلت الحرب، ووعد بإحلال السلام، لكن تصور ترامب عن السلام، يختلط بالعنف أحيانا، ويحمل معانى الصفقات والبيزنس، ويضع أطرافا إقليمية أخرى طرفا فى المعادلة، وهل ينجح ترامب فى تنفيذ وعوده؟
اختيارات ترامب لفريق الأمن القومى، بدت علامة على اتجاهاته فى الاختيار، حيث رشح السيناتور الجمهورى ماركو روبيو، وزيرا للخارجية، وهو من أنصار نظرية السلام القائم على القوة، والنائب مايك والتز مستشار للأمن القومى، لكن تم اختيار مذيع فوكس بيت هيجسيث، وزيرا للدفاع، وسبق أن ضغط على ترامب للعفو عن عسكريين متهمين بارتكاب جرائم حرب، والنائبة الديمقراطية السابقة تولسى جابارد، مديرة للاستخبارات الوطنية، ويرى بعض المراقبين، أنها بلا خبرة فى هذا المجال، وعضو الكونجرس السابق ومدير الاستخبارات الوطنية السابق جون راتكليف، مديرا لوكالة الاستخبارات المركزية «سى آى إيه»، والنائبة الجمهورية إليز ستيفانيك، سفيرة للأمم المتحدة، ومات جايتز، لوزارة العدل، وقد سبق وتم التحقيق معه فى جرائم جنسية.
توقعت صحيفة واشنطن بوست، أن تثير هذه الترشيحات، معارضة شاملة من الديمقراطيين فى مجلس الشيوخ للتصديق على تعيينهم، وأعرب بعض الجمهوريين عن قلقهم من الاختيارات، خاصة أن وزير الخارجية، المرشح، له آراء فى دعوات لمعاقبة روسيا والرئيس الروسى بوتين، وهو ما قد يصعد من المواجهة فى حرب روسيا وأوكرانيا، والتى وعد ترامب بإنهائها، وهو أمر لا يبدو له ملمح حتى الآن.
نفس الأمر فى ما يتعلق بالقضية المحورية فى الشرق الأوسط والتى وعد ترامب بإنهاء الحرب فى غزة، بينما اختار أحد المتعصبين لإسرائيل، سفيرا للولايات المتحدة فى تل أبيب، هو مايك هاكابى، حاكم أركنساس السابق، وأحد المحافظين المؤيدين لإسرائيل، وسبق له أن أعلن أنه يريد بناء منزل للعطلات فى الضفة الغربية، التى أشار إليها بالاسم العبرى «يهودا والسامرة»، وقال «لا يوجد شىء اسمه احتلال»، وقال عنه ترامب، «هكابى يحب إسرائيل وشعب إسرائيل وسيعمل على إحلال السلام فى المنطقة».
هكابى هو ثانى مذيع من قناة فوكس نيوز يرشح لتولى منصب فى حكومة ترامب، بعد بيت هيجسيث، المرشح لوزارة الدفاع، اختيار هكابى أثار إشادة فى إسرائيل، وقلقا من أن يكون أحد عناصر إثارة المزيد من الصدامات مع الفلسطينيين، فى وقت اعلن فيه ترامب إتجاهه لإنهاء الحرب وإحلال السلام.
ما يثير القلق، أن ماركو روبيو، المرشح وزيرا للخارجية، من أنصار نظرية «السلام القائم على القوة»، حيث صرح عام 2017 بأنها «فكرة أمريكية بامتياز، منذ أيام الكاوبوى، ووضعه السلاح على الطاولة قبل الجلوس»، وهى نظرية غامضة تستدعى تاريخ التطرف اليمينى الجمهورى الذى نشر الصراعات والحرب، بل والإرهاب فى العالم، ويتفق ماركو مع ترامب فى أن الدبلوماسية وحدها لا تؤدى لنتيجة.
بالطبع، فإن هذه الاختيارات تثير الجدل، لكنها تبقى ضمن المشهد الافتتاحى الذى من الوارد أن يتغير بعد الواقع العملى، وأيضا ضمن التطبيق الواسع لعروض ترامب التى حاول أن يقدمها تحت اسم صفقات أو عروض فى فترته الرئاسية الأولى، تحت مسمى صفقة القرن، التى لم تجد موافقة ولا حماسا، وإن كان ترامب يسعى إلى صفقات تجمع بين الاقتصاد والسياسة، والعلاقات السياسية، وهى نظريات لا تجد طريقها إلى التنفيذ، بل تصطدم بسياق تاريخى وتراكمات متنوعة، تجعل من الصعب إبرام أى صفقات فى ظل غياب الحلول الواضحة ومسارات السلام.
ثم إن ترامب معروف بتغييرات كثيرة فى اختيارات وزرائه، مع الأخذ فى الاعتبار أن الإدارات الرئاسية تتركز حول البيت الأبيض، مع المؤسسات الكبرى كالبنتاجون والاستخبارات، بجانب الجانب الاقتصادى، والحرب التى يضعها ترامب ضمن أولوياته، وهى الحرب التجارية مع الصين.
وبناء على كل هذا، فإن الأمر يختلف فى التطبيق عن النظريات، مع وضع الجوانب الأخرى فى الاعتبار، خاصة فى ما يتعلق بالشرق الأوسط وفلسطين، وأى تحركات تجاه دعم إضافى لإسرائيل فى ابتلاع الأرض، قد تنتج المزيد من العنف، بل والإرهاب الذى غالبا كما يكون نتيجة للتطرف المضاعف.