" يوم عيد.." هكذا وصف الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء إعادة إحياء شركة النصر لصناعة السيارات فى احتفال تدشين إنتاج مصنع الأتوبيسات التابع للشركة التى كانت تعد إحدى أهم القلاع الصناعية المصرية حتى بداية التسعينيات وسياسة البيع والخصخصة وتدمير الصناعة المصرية، فانهارت الشركة وتوقفت تماما عن الإنتاج منذ أكثر 15 عاما.
الصناعة والشركة التى كانت حلم الزعيم جمال عبد الناصر وحققه بداية من عام 57 حتى قرار إنشاء الشركة عام 1960 ضمن مشروع الحكومة المصرية فى ذلك الوقت لإنتاج «من الإبرة إلى الصاروخ»، تعود من جديد بخطة استراتيجية لإنتاج الأتوبيسات وسيارات الركوب يكفى احتياجات السوق المحلى ويفتح أسواقا للتصدير إلى الدول العربية وافريقيا وتوفير آلاف فرص العمل للمصريين والأهم توطين صناعة السيارات فى مصر وصناعة قطع الغيار.
بدأت الشركة بـ290 عاملًا حتى وصلت لأكثر من 12 ألف عامل من العمالة الفنية، بالإضافة إلى العمالة فى مصانع الصناعات المغذية للشركة، وعملت شركة النصر على تجميع سيارات فيات فى مصانعها وحازت على ثقة المصريين، وكانت أكثر السيارات مبيعًا فى السوق المصرية، كما استمرت النصر فى تصنيع سيارات فيات التى تم إنتاجها فى إيطاليا بالتعاون مع شركات السيارات المتعاونة مع فيات والحاصلة على ترخيص بتعديل هذه الموديلات، وظلت النصر تنتج السيارة نصر 128 وأنتجت شركة أيضا السيارة نصر شاهين ونصر 125 ورمسيس وإنتاج الحافلات والشاحنات والجرارات النصر. وبدأت على مساحة 480 ألف متر مربع فى منطقة وادى حوف بحلوان حتى بلغت مساحتها مع التوسع إلى مليون و660 ألف متر مربع.
مع بداية التسعينيات تدهورت أوضاع الشركة بعد السماح بإنشاء مصانع خاصة لشركات عالمية لإنتاج وتجميع السيارات، وفى ظل هذا التنوع الكبير والمنافسة الشرسة، وعدم توافر عملات أجنبية لإبرام اتفاقيات السيارات المراد تجميعها، والسياسات الاقتصادية الخاصة بتحرير سعر الصرف والتى انتهجته الحكومة فى ذلك الوقت، بالإضافة إلى سياسات الحكومة فى التسعير الجبرى المنخفض للسيارات خلال فترة السبعينيات وأوائل الثمانينيات، لتيسير حصول المواطنين على سيارة بما يتناسب ومتوسط دخل الفرد فى مصر، كل تلك الأسباب أدت إلى انخفاض مبيعات الشركة بشدة مما أدى إلى زيادة الديون المتراكمة عليها.
وبدأت إجراءات تصفية شركة النصر لصناعة السيارات بسبب تراكم مديونياتها إلى حوالى مليار جنيه مصرى، وتم تقليص عدد العمالة من 10 آلاف إلى 300 عامل، حيث قدمت الشركة ميزانياتها محققة خسائر 165 مليون جنيه، وفى 17 نوفمبر 2009 صدر قرار من رئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية المالكة لشركة النصر بتصفية الشركة وإحالة العاملين إلى المعاش المبكر
وفى عام 2013 عادت الشركة للعمل بقرار من مجلس الشورى وتحت اشراف وزارة الدولة للإنتاج الحربى والتى وافقت على إعادة المصنع للعمل تحت إشرافها فى أبريل 2013، عاودت الشركة الإنتاج فى مجال الصناعات المغذية لصناعة السيارات، وأُجريت مفاوضات لتسوية مديونيات الشركة لتمكينها من العمل بشكل جيد، وفى أكتوبر 2016 عادت تبعية الشركة للشركة القابضة للصناعات المعدنية مرة أخرى، وفى أغسطس 2022 تم دمج الشركة الهندسية لصناعة السيارات فى شركة النصر وذلك لإنشاء كيان متخصص فى إنتاج وتصنيع السيارات الكهربائية.
عودة شركة النصر من الموت والتصفية هو يوم عيد تأخر الاحتفال به أكثر من ربع قرن ولولا أيادى التدمير والخراب لأصبحت مصر تمتلك قلعة صناعية عملاقة لإنتاج وتصدير السيارات ووفرت مليارات الدولارات من استيراد السيارات وقطع الغيار. مصر تستورد حاليا بما يقرب من 5 مليارات دولار سنويا على الرغم من صناعة مصر للسيارات انطلقت مع بدء صناعة السيارات فى كوريا الجنوبية تقريبا فى منتصف الخمسينات.
لكن كوريا استمرت فى تطوير صناعتها من السيارات وقطع غيارها ونحن توقفنا ودمرنا. كوريا تضم حاليا أكثر من 4 آلاف شركة فى صناعة السيارات وأصبحت خامس أكبر منتج للسيارات فى العالم بإنتاج حوالى 3 مليون و760 وحدة العام الماضى وحقق دخلا من تصدير السيارات قدر بحوالى 60 مليار دولار.
تخيلوا.. لو استمرت مصر فى تطوير صناعة شركة النصر للسيارات منذ عام 57 وحتى الآن..!!
عموما علينا أن نوجه تحية تقدير واحترام للرئيس عبد الفتاح السيسى والحكومة المصرية على استعادة حلم تأسيس قاعدة صناعية كبرى مرة أخرى لتعميق الصناعة وتوفير فرص عمل وفتح أسواق جديدة للتصدير فى المنطقة العربية والدول الافريقية وخفض أسعار السيارات. وسريعا وخلال عامين أو ثلاثة على الأكثر سوف تبلغ الطاقة الإنتاجية لمصنع الأتوبيسات حاليا إلى 300 أتوبيس سنويا، ومن المستهدف أن تصل إلى 1500 أتوبيس سنويا بحلول عام 2027، بنسبة مكون محلى تصل إلى 50 بالمئة فى مرحلتها الأولى على أن تصل لاحقا إلى 60-70 بالمئة، ويجرى التصدير منها إلى عدد من الدول العربية والافريقية. ويجرى حاليا تنفيذ أعمال تطوير مصنع سيارات الركوب التابع لشركة النصر للسيارات، حيث أوصى رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى بضغط البرنامج الزمنى الخاص بها، حيث من المقرر الانتهاء من تلك الأعمال خلال الشهر المقبل، تمهيدا للبدء فى تركيب خطوط الإنتاج بطاقة تصميمية 20 ألف سيارة سنويا فى الوردية الواحدة، ومن المقرر أن يبدأ الإنتاج التجريبى فى منتصف عام 2025 بنسبة مكون محلى تتجاوز 45 بالمئة كمرحلة أولى.
ووفقا للرئيس التنفيذى لشركة النصر للسيارات الدكتور خالد شديد، فإن الطاقة الإنتاجية للمصنع تصل إلى إنتاج 20 ألف سيارة سنويًا، على مساحة 10 أفدنة، ليكون الأكبر من نوعه فى المنطقة والقارة الأفريقية. وسيبدأ الإنتاج التجريبى فى نهاية ديسمبر المقبل، تمهيدًا لبدء الإنتاج الكامل فى منتصف عام 2025.
من حقنا أن نحلم بصناعة ضخمة للسيارات فى مصر خلال الأعوام الثلاثة المقبلة ومن حقنا أيضا أن نحلم ونتمنى عودة الحياة إلى باقى مصانع الغزل والنسيج والحديد والصلب والألبان والأخشاب والورق والمراجل البخارية وغيرها التى أتلفها الفساد والخصخصة... تفاءلوا خيرا طالما هناك ارادة سياسية قوية لعودة شعار" صنع فى مصر " من جديد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة