انتهيت من رواية قناع بلون السماء للكاتب الفلسطيني (الأسير) باسم خندقجي، وهي الرواية الحاصلة على جائزة الرواية العربية (البوكر) في دورتها الأخيرة، ويمكن القول إن هذه الرواية مكتوبة بحرفية شديدة فهي تتفق مع الحالة النفسية للكاتب المحكوم عليه بالسجن مدى الحياة في سجون المحتل، بالتالي هي تمثل انتصارًا معنويَّا كبيرًا يحتاجه "باسم" في محنته، ونحتاجه نحن في حياتنا.
وسوف أتوقف عند بعض التقنيات المهمة التي استخدمها باسم خندقجي وأظهرها من خلال الراوي الحائر بين شخصيتي "نور" الفلسطيني و"أور" الإسرائيلي، فالرواية مهمة من حيث الكتابة ومن حيث الرؤية، ومن حيث الكاتب.
باسم خندقجي.. أن تتحدي
نعرف جميعًا أن باسم خندقجي مبدع الرواية يقبع في الأسر الإسرائيلي منذ أكثر من 20 عاما، فلكم أن تتخيلوا إنسانًا قضى أكثر من نصف عمره حتى الآن في المعتقل، من أجل قضية يؤمن بها، من أجل وطن يعرف أنه سينتصر يومًا، لقد فعل "باسم" ذلك، ولا يزال يدفع الثمن، لكنه صار شاعرًا وروائيًا واختار أن يكمل المقاومة عن طريق الفن، فكتب هذه الرواية وغيرها، ويمكن القول أن "باسم" في حد ذاته صار "مقاومة".
من التقنيات اللافتة في الرواية ذلك القدر الكبير من المعلومات والدقة في بناء الشخصيات، وهي تدفعنا للتفكير كيف لرجل "أسير" أن يكتب بكل هذا التريث ويوظف ما لديه من معلومات، ومن رأيي أن ذلك يحدث لكون باسم "يعيش" من خلال الكتابة، إنه لا يسعى لشهرة أو ليصفق له الناس أو حتى يحقق عائدًا ماديًا، إنه يكتب ليعيش ليتنفس ليشعر بأنه لم يمت.
الرؤية.. مواجهة القهر بالفن
استطاع "باسم" من خلال الرواية أن يفضح العدو وأن يكشف زيفه وادعاءاته وسعيه كي يسرق الأرض والتاريخ والآثار، العدو يريد أن يقدم للعالم سردية يتبنى فيها بناء المستوطنات فيزرع الأشجار فوق بقايا القرى الفلسطينية التي تم تهجير أهلها وقتل شعبها وإخفاء ماضيها العربي، إنهم يسعون بجدية مستعينين (بموالين لهم في الغرب) من أجل أن يثبتوا أن التاريخ الصهيوني قديم في هذه الأرض.
لكن رواية أقنعة بلون السماء تقول لنا إن هذا التزوير لن يتم أبدا، لأن هناك من يدافع عن القضية الفلسطينية ولا يتخلى عنها، سواء تمثل ذلك في "سماء إسماعيل" التي كتبت على ذراعها وشم حيفا 1948 أو الشيخ مرسي النموذج للوطني المحتفظ بهويته العربية والإسلامية أو "مراد" صديق البطل المعتقل الآن، أو حتى بعض الغربيين المنصفين.
باسم.. أور.. نور.. البحث عن "الحق الضائع"
تدور الرواية حول "نور" الفلسطيني الذي يشتري معطفًا "مستعملاً" فيجد فيه هوية لشخص إسرائيلي يسمى "أور"، ربما تبدو القصة معروفة تقوم على أفكار (الصدفة، والقناع، والتشابه)، لكنني أراها "أعمق" من ذلك، إن وجود الشخصيتين المتناقضتين، هما وسيلة "باسم" لمناقشة الأفكار، لتأكيد أن فلسطين تستحق هذه المعاناة، وفي ظني أن "باسم" في محبسه يختلق الشخصيات ويجري معها الحوارات، وينتصر في النهاية.
قناع بلون السماء ليست مجرد رواية فازت بجائزة، ولا أنها رواية كتبها أسير، بل هي قدرة على الحياة وأمل في النصر.