حسابات العاطفة شىء، وحسابات العقل والمنطق شىء آخر، لذلك لا يمكن اتخاذ قرارات تتعلق بمصير شعب، مثل اتخاذ قرارات إعلان الحرب، دون تحديد أهداف القرار، سياسيا وعسكريا، مع دراسة الوضع الاقتصادى بدقة، والنتائج المترتبة على خوض المعركة، بعيدا عن المغامرات غير المحسوبة. ومن نعم الله سبحانه وتعالى على مصر أنها تمتلك جيشا قويا وعظيما، تاريخه منقوش على جبين الزمن، ومحفور على جدران ذاكرة التاريخ، وتتحدث عن بطولاته الشواهد الأثرية، داخليا لحفظ أمن وأمان واستقرار البلاد، والمشاركة فى عملية البناء، وخارجيا لصيانة الأمن القومى وردع كل من تسول له نفسه انتهاك حدودنا.
جيش مصر، تاريخه واضح، ناصع، جبل فى رسوخه، لن تنال منه مزايدات هنا، أو تشكيك هناك، فانتصاره المبهر على الكيان الصهيونى مسطر فى التاريخ، كما أنقذ البلاد من الوقوع فى مستنقع الفوضى والتقسيم عقب أحداث 25 يناير 2011، وحافظ على كيان الدولة، وأحبط المخططات الكارثية، ونستطيع أن نقولها بكل ثقة، وضمير حى، إنه لولا قوة جيش مصر، وحكمة قياداته، لكانت البلاد انزلقت فيما انزلقت فيه بلاد أخرى، من خراب ودمار، ولم تخرج منه حتى الآن.
التاريخ يؤكد أهمية الجيوش القوية فى الدفاع عن الأوطان، واعتباره عمود خيمة كل وطن، لذلك لا غرابة أن تجد أكبر قوة على سطح الأرض حاليا، هى الولايات المتحدة الأمريكية، تمتلك جيشا قويا جرارا، له سمعته العالمية، وكذلك الصين وروسيا، وكل دولة متقدمة ومزدهرة لا بد من قوة كبيرة تصون أمنها واستقرارها.
والشىء بالشىء يذكر، فإن التاريخ، خاصة المعاصر، يذكرنا بفاجعة نجاح مخططات تفكيك الجيوش والقوات الأمنية، ومحاولة إعادة تشكيلها وتأهيلها وفقا لمفاهيم ومعطيات جديدة تختلف عن طبيعة وثقافة كل شعب، لذلك كل محاولات إعادة بناء الجيوش بعد تفكيكها باءت بالفشل، وكانت لها توابع كارثية، منها ما هو مستمر حتى الآن، رغم كل محاولات البناء، والميزانيات الضخمة المرصودة، ووصلت إلى أرقام فلكية، كما رأينا كيف كانت المخططات الرامية لتدمير الأوطان التى اندلعت فيها ما تسمى ثورات الربيع العربى، تبدأ بتفكيك الأجهزة الأمنية وعلى رأسها الجيوش، وحدث ذلك فى عدد من الدول، ونجحت المخططات فيها.
لذلك فإن الذين يطالبون بإقحام الجيش المصرى فى معارك بالعاطفة، دون حسابات المنطق والعقل، وتقديرات الموقف، وفشل فى قراءة الخرائط المشتعلة فى الاتجاهات الاستراتيجية الأربعة، وفى أبعد نقطة للأمن القومى المصرى، نقول لهم، لا يمكن أن يخوض جيش مصر معركة من أجل إمتاع المتفرجين على المقاعد، أو إرضاءً لجماعات سياسية تمارس السياسة بالرومانسية، وتنظيمات متشددة تبحث عن الزج بالبلاد والعباد فى أتون نار لا يحمد عقباها، أو استجابة لهاشتاج أو تريند، بطله 500 شخص على السوشيال ميديا، غير معلومين الهوية، ويناضلون فى فضاء إلكترونى، وخلف الكيبورد!
لا يمكن أن يدفع المصريون ثمن فاتورة الخراب والدمار لقرارات ميليشيا أو جماعة مسلحة، غير محسوبة، فمصر دولة مؤسسات، تتكئ على تقاليد الدول العريقة، وارتفاع كبير فى منسوب الوعى والفهم بما يُدبر ويُخطط له فى المنطقة، بدقة متناهية، ولا يمكن أن تقدم على قرار يترتب عليه مخاطر تؤثر فى الأمن القومى.. من يطالب بغرس مصر فى حروب قاسية، تدفع بمفردها، الثمن غاليا من أرواح خيرة أبنائها، وتدمير اقتصادها، وهم يجلسون على مقاعد المتفرجين يشاهدون «اللعبة الحلوة» مثلما يشاهدون مباراة كرة قدم، أو مباراة فى التنس فى بطولة ويمبلدون الشهيرة على سبيل المثال - إلى هؤلاء - نسألهم:
نعلم قدر مصر، ودورها المحورى، وقدراتها العسكرية، لكن لماذا تطالبون بأن الجيش المصرى فقط هو الذى يخوض المعارك، بينما كل الجيوش تكتفى فقط بالمشاهدة؟!
أين جيوش الدول التى تتعرض لهجمات وضربات يومية، ولا يحرك لها ساكن، والاكتفاء فقط بإطلاق مسيرات أو صواريخ لا تثمن ولا تغنى من جوع؟!
مصر وحتى تاريخه، تبذل جهودا مضنية من أجل الفلسطينيين، وتدفع ثمنا باهظا لمواقفها الشريفة، ورغم ذلك تتلقى طعنات التشكيك والتسخيف، من جماعات خائنة وتنظيمات وقحة، وكتائب وذباب إلكترونى من كل حدب وصوب، ونعيد ونكرر لهؤلاء الذين يطالبون بغرس الجيش المصرى فى قلب نيران مستعرة، بينما يجلسون على مقاعد المتفرجين، يكتفون بالمشاهدة، مواقف مصر الداعمة للقضية الفلسطينية بشكل خاص، وقضايا أمتها بشكل عام، ناصعة البياض، مسجلة فى سجلات التاريخ بأحرف من ذهب، ولا يمكن المزايدة عليها، أو التقليل منها.