تعد الصناعة قاطرة التنمية الاقتصادية وإحدى أهم مقومات تقدم الدول وارتفاع معدلات النمو الاقتصادي وتعزيز تنافسية الاقتصاد، لذلك تعمل الدولة المصرية جاهدة لدعم وتطوير الصناعة الوطنية وتبذل جهوداً كبيرة في السنوات الأخيرة لإزالة المعوقات التي يواجهها القطاع الصناعي، والعمل على خلق حوافز وتيسيرات عديدة لجذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية وتشجيع المستثمرين لا سيما في القطاع الصناعي، فضلا عن جهود تعزيز مشاركة القطاع الخاص في التنمية الصناعية.
إن الدولة المصرية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، تدرك أن دعم القطاعات الاقتصادية الإنتاجية خاصة الصناعة والزراعة سيحدث طفرة اقتصادية وتنموية كبيرة ويسهم في النهوض بالاقتصاد الوطني، لذلك تضع دعم الصناعة على رأس أولوياتها وتسعى لتوطين الصناعة وتعميق التصنيع المحلي، وهو ما يساهم في تقليل فاتورة الاستيراد والاعتماد على المنتج المصري بديلا للمستورد وتنمية الصادرات، مما يعزز تنافسية الاقتصاد الوطني ورفع القيمة التنافسية للمنتجات المصرية، فضلاً عن توفير العملة الصعبة، وخلق فرص عمل للشباب والحد من البطالة.
وتتبنى الدولة المصرية استراتيجية شاملة لتوطين الصناعة وتنمية الصادرات المصرية وتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتطوير الموارد البشرية، في ضوء رؤية مصر للتنمية المستدامة 2030، ولا تتوانى الدولة المصرية عن اتخاذ أي إجراءات وقرارات تساهم في تحقيق التنمية الصناعية ودفع عجلة الإنتاج والنمو الاقتصادي.
ولعل من أهم القرارات والخطوات التي سعت إليها الحكومة المصرية في الآونة الأخيرة هى عودة شركة النصر للسيارات للإنتاج من جديد بعد توقف دام أكثر من 15 عاماً، فتلك الشركة إحدى أهم القلاع الصناعية المصرية ولها باع طويل في مجال صناعة السيارات، وعودتها للإنتاج مرة أخرى كان حلماً للمصريين؛ يذكرنا بعصر ذهبي لدور مصر في الصناعة كنا نفخر به، وفرصة لعودة شعار "صنع في مصر" بقوة، فهذا القرار هو إعادة إحياء من جديد لصرح صناعي عملاق؛ وخطوة مهمة نحو توطين صناعة السيارات في مصر.
فشركة النصر للسيارات لديها جميع مقومات الصناعة لما تتمتع به من بنية أساسية، وموقع، ومقومات، وقوة بشرية، وكوادر فنية، بما يجعلها كنزاً لا ينبغي التفريط فيه، فهذه المقومات التي تتمتع بها الشركة تمكنها من إقامة صناعة كاملة للسيارات، فكم شعرت بالفخر والاعتزاز عندما رأيت أتوبيسات مصطفة على أرض الشركة ومكتوب عليها شعار "صنع في مصر"، والذي أتمنى في يوم من الأيام أن أراه على كل المنتجات والأدوات التي نستخدمها بما يجعلنا نتوقف عن الاستيراد ونتجه إلى التصدير بعد تحقيق الاكتفاء الذاتي؛ هو حلم جميل نحلم به ولكن بالإرادة والتسلح بالعلم والتطور التكنولوجي سنحقق ذلك يوماً ما.
إن عودة شركة النصر للسيارات للإنتاج من جديد؛ خطوة مهمة تتوازى مع سعي الدولة للتوسع في قطاع صناعة السيارات وتوطين هذه الصناعة الهامة وخلق شراكات مع كبرى الشركات العالمية في هذا المجال، وهو ما يجعل مصر تمتلك فرصة كبيرة جداً للانطلاق في هذا القطاع خلال الفترة القادمة، وهو أيضاً ما سيساهم في الحد من استيراد السيارات من الخارج، وتلبية احتياجات السوق المحلية المصرية والتي تصل وفقا للإحصائيات إلى ما يقرب من نصف مليون سيارة سنوياً، من كل أنواع المركبات، وتزيد في ظل النمو السكاني في مصر.
وما أتمناه أن تعمل الشركة على عودة التصنيع لكل أنواع المركبات، في ظل وجود شراكة مع القطاع الخاص، وهو ما يعزز أهمية الجهود التي بذلتها الحكومة المصرية بتوجيهات من القيادة السياسية لإعادة إحياء شركة النصر للسيارات دعما للصناعة الوطنية وتشجيع التصنيع المحلي، وأهمية تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص في مثل هذه المشروعات الكبرى، لأن لديه قدرة أكبر على تحديد الاحتياجات الحقيقية للسوق المحلية أو العالمية، وتنفيذ منظومات شديد الكفاءة في التشغيل والإدارة، وهو ما لمسناه في وجود مجموعة من الشراكات مع مؤسسات دولية من أجل ضمان استدامة عودة شركة النصر للسيارات لتستطيع من خلالها ضمان التشغيل الكُفء والفعال، وقراءة احتياجات السوق المحلية والدولية واستدامة العمل.
ونثمن حرص الحكومة على تعميق المُكون المحلي، وزيادة نسبته في الأتوبيسات التي تم إطلاقها بشركة النصر للسيارات بنسبة تزيد على 50%، واستهداف زيادتها لاحقاً من 50% إلى 70%، وهى خطوة جيدة ستؤكد جدارة الدولة المصرية وإمكانياتها التي تؤهلها لريادة صناعة السيارات في القارة الإفريقية خلال المرحلة القادمة.
ولا ينكر أحد الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة المصرية في الآونة الأخيرة لتوطين الصناعة وإقرار حوافز وتيسيرات عديدة لجذب الاستثمارات وإزالة المعوقات التي تواجه القطاع الصناعي، وبالتأكيد نحتاج إلى مزيد من الوقت والجهد والعمل الجاد لتحقيق الأهداف التي نصبو إليها من توطين العديد من الصناعات الحيوية والواعدة، وحصر المنتجات والأدوات التي نستوردها لدراسة مدى قدرتنا على تصنيعها في مصر من خلال استقطاب الشركات العالمية الرائدة في تلك الصناعات وخلق شراكات استراتيجية معها مع تهيئة بيئة جاذبة ومحفزة للاستثمار، والاستغناء عن المنتج المستورد واستخدام المنتج المحلي.
يأتي ذلك بجانب ضرورة الاهتمام بأن يكون لدينا منظومة متكاملة للصناعات المُغذية للمصانع، ومصانع لمدخلات الإنتاج ومكونات الصناعة، بالشراكة مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي، وضرورة إيجاد حلول لتوفير المواد الخام وحل إشكاليات التمويل، مما يؤهل الصناعة الوطنية المصرية للانطلاق في مختلف المجالات ويعزز تنافسية الاقتصاد المصري وجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية والمحلية.
ختاما.. الفرصة سانحة أمامنا لبذل مزيد من الجهود والعمل والإرادة القوية لدعم الصناعة الوطنية وتعميق التصنيع المحلي واستغلال كل الفرص المتاحة، والعمل المتواصل على تطوير المصانع وتأهيلها وتطوير خطوط الإنتاج ومدها بالمعدات الحديثة والاستفادة من التطورات التكنولوجية، والعمل على تعزيز قيمة التدريب والتأهيل وخلق عمالة مدربة وكوادر فنية للاستثمار في العنصر البشري، فنجاح مصر في تطبيق استراتيجية شاملة لتطوير وتوطين الصناعة سيعزز من قوة الاقتصاد المصري ويدفع عجلة الإنتاج والنمو الاقتصادي ويوفر فرص عمل جديدة للشباب ويساهم في تنمية الصادرات المصرية.