من حقنا أن نحتفل بأبطالنا الشجعان...برموز الوطنية المصرية ..بالشموع المنيرة التي أضاءت طريق النضال والكفاح ورفضت الهزيمة وقاومت الاحتلال والاستسلام..من حقهم علينا أن نحيي ذكراهم الخالدة بكل ما نملك ونرويها من جيل الى جيل بطل من أبطال سيناء الحبيبة وشيخ مجاهدي أرض الفيروز الذي ظن العدو الاسرائيلي أنهم ارتضوا بالهزيمة عقب 5 يونيو 67 وقبلوا بالاحتلال وآثروا العيش تحت راية العدو... فأراد قائد جيشه موشي ديان أن يعلن ذلك أمام العالم، فجاء الرد المدهش بصفعة مدوية له لم ينساها ولن ينساها التاريخ أمام كاميرات العالم ووسائل اعلامه ومنظماته.. فكانت فضيحة عالمية
كانت الصفعة المدوية الذي يمر عليها هذه الأيام 56 عاما من أسد سيناء وشيخ مجاهدي أرض الفيروز البطل سالم الهرش.. الاسم الذي لا يمكن نسيانه ابدا من الذاكرة الوطنية المصرية.
عقب هزيمة يونيو 67 بدأ وزير دفاع العدو موشي ديان تنفيذ خطته الذي أقنع بها حكومته لاعلان تدويل سيناء وانفصالها عن السيادة المصرية ووضعها تحت السيادة" الاسرائيلية".
كان السؤال الذي يدور في عقل ديان :" وماذا عن أهالي وقبائل سيناء..كيف سيتم تمرير الفكرة وقبولهم بها..؟
أصدر ديان أوامره بحسن المعاملة مع قبائل سيناء ورموزها وتنفيذ كافة مطالبهم وتسهيل أمور حياتهم المعيشية حتى يتم تمرير المخطط، وكان يتابع بنفسه ما يجري مع القبائل ويزور مشايخهم ويلبي عزائمهم دون أن يدرك أن من بين المعزومين بملابس أهالي سيناء رجال المخابرات المصرية التي كانت على علم وتنسيق بكل ما يدبر من ديان حتى تحين اللحظة المناسبة لتوجيه الصفعة التاريخية المدوية له ولجيشه ولدولته المحتله.
فبعد ثلاث شهور من وقوع النكسة في عام 1967، فوجئ الشيخ سالم ذات يوم أثناء جلوسه في خيمته بدخول مجموعة من الضباط المصريين يطلبون نصيحته في كيفية دخولهم للمجتمع القبلي ليكونوا قريبين من المعسكرات الإسرائيلية، فما كان منه إلا أن قام بتدريبهم على اللهجة البدوية وإلباسهم الزى البدوي، ومن ثم اصطحابهم إلى المعكسر الإسرائيلي، وتقديمهم له على أنهم مجموعة من أهله لم يكونوا موجودين وقت حصار القبيلة، وطالبهم باستخراج هوية لهم، وهكذا تم زرعهم وسط المجتمع القبلي.
فور علم السلطات المصرية بتفاصيل المخطط الإسرائيلى، قامت بتكليف الضابط السيناوى محمد اليمانى بمتابعة القضية، حيث طلب من المشايخ وفق تعليمات من القاهرة بمواصلة خداع ومجاراة إسرائيل في طلبها، وقام برصد تحركات العدو الصهيونى واتصالاته الدولية، في الوقت الذي وافقت فيه أمريكا وعدد من حلفائها على دعم القضية في حالة موافقة أهل سيناء على التدويل في مؤتمر عام يراه العالم كله.
جلس ديان الى الشيخ سالم الهرش عدة مرات واتفق معه على الحصول على موافقة القبائل على خطة " تدويل سيناء. أبدى له الأسد السيناوي الترحيب وتظاهر بالموافقة وأقنعه تماما بأن الأمور تسير على ما يريد وتسعى اليه " اسرائيل" واعتقد ديان أن حصل على الضوء الأخضر من الشيخ سالم الهرش، فبدأ بالاعداد لمؤتمر عالمي تحضره وسائل اعلام عالمية وممثلون عن الأمم المتحدة ودعا أشهر مخرج ايطالي لنقل فعاليات المؤتمر على الهواء لتليفزيونات العالم . كانت الطائرات تنقل الطعام ومصورى وكالات الأنباء وعشرات القنوات العالمية وكبار القيادات في إسرائيل الىى مكان التجمع أو المؤتمر بمنطقة الحسنة من أجل اللحظة الحاسمة.
يوم 31 أكتوبر عام 1968 عقد المؤتمر في خيمة ضخمة بمدينة الحسنة بوسط سيناء بمحافظة شمال سيناء والذي يتواجد بها مطار المليز ومنجم فحم المغارة.. واحتشد المصورون ومندوبو وكالات الأنباء العالمية وابناء قبائل سيناء وقادة الجيش الاسرائيلي وارتسمت ابتسامة النصر على وجه ديان الذي أعلن عن مخططه بتدويل سيناء وعزلها عن السيادة المصرية واعتبارها خاضعة تحت السيادة الاسرائيلية، ثم جاءت اللحظة المرتقبة الحاسمة.
دعا ديان الشيخ سالم الهرش لالقاء كلمة نيابة عن قبائل سيناء واعلانه الموافقة على خطة التدويل.. تقدم البطل المصري الى المنصة وأمسك بالميكروفون ووجه كلامه الى وزير الدفاع الاسرائيلي المنتشي بتدبيره وخطته، قائلا:" أنتم تريدون سيناء دولة.. وهذا يعني أنكم ستضعون صورتي على الجنيه السيناوي إذا وافقت على ذلك صحيح؟"، فصفق ديان ومن معه وأشار له بالموافقة على ما قاله.
فجاءت الصفعة المدوية لينقلب السحر على الساحر الصهيوني عندما أعلن الشيخ سالم وبصوت مرتفع قوي موجها كلامه هذه المرة ليس الى ديان فقط وانما لكل الحاضرين في المؤتمر صارخا : " أؤكد لكم أن سيناء مصرية وستظل مصرية ولا يملك الحديث فيها إلا الزعيم جمال عبد الناصر" .. ساد الهرج والمرج داخل الخيمة . فكل من تواجد بداخله كان ينتظر كلام آخر وفقا لخطة ديان..فنزلت كلمات الهرش كالصاعقة أو "كجلمود صخر حطه السيل من عل "على رأس ديان وقادة الجيش الاسرائيلي، الذين غادروا المكان غاضبين مصدومين..وفشل المؤتمر وتم اجهاض مخطط الشر .
السيناريو المصري كان شديد الاحكام والاتقان في التنفيذ وتتابعه القيادة السياسية للزعيم جمال عبد الناصر لحظة بلحظة لحماية شيخ مجاهدي سيناء. فعقب الفشل المدوي للمؤتمر قامت السلطات الإسرائيلية اتخاذ إجراءات قمعية عنيفة ضد السكان واعتقل 120 من المشايخ والمواطنين، وراحت قوات العدو تبحث عن الشيخ سالم للقبض عليه ومعاقبته وتوقيع أقسى العقوبة عليه والتنكيل به..لكن خارج الخيمة كانت هناك سيارة خاصة في انتظاره بداخلها اسرته، اصطحبته سريعا عبر دروب سيناء في الاتجاه الى خليج العقبة ومنه الى مصر وكرمه الرئيس جمال عبد الناصر ومنحه نوط الامتياز من الدرجة الأولى، وظل هناك إلى أن عبر الجيش المصري قناة السويس وحقق الانتصار المجيد في أكتوبر عام 1973، فعاد الشيخ سالم إلى أرضه وأهله في سيناء، إلى أن توفي في عام 1981 ودفن بها.
رحم الله البطل ..ونحن نحيي ذكراه العطرة وذكرى موقفه البطولي مع أهالي سيناء في مؤتمر الحسنة"