من أقوال الناقد الكبير سمير فريد، الذى أقام واحدة من أفضل دورات مهرجان القاهرة السينمائى الدولى: «المهرجان شاشة وجمهور» وهما كلمتان تلخصان خبرة وحكمة عميقة فكلمة «شاشة» تعنى عروضا يتم تنظيمها بدقة، وصورة تعرض بحرفية وصوت نقى، وخلف كل ذلك إدارة واعية بنوعية ما يعرض على هذه الشاشة، ما يشكل إضافة إلى ثقافة وذائقة مرتادى هذا المهرجان وخبراتهم بما يؤدى إلى تطور صناعة السينما ذاتها على المستوى المحلى حتى يستطيع الفنان المنافسة مع نظرائه فى جميع ثقافات العالم أخذا وعطاء.
أما «الجمهور» فهو من يجب احترامه فى كل لحظة وكل خطوة وكل إجراء، واعتبار أن مشاهدة الأفلام حقٌ له، وليست منحة أو تجارة، المشاهدة إكراما وتقديرا لرغباته المتنوعة فى الاطلاع على كل فنون الدنيا وثقافتها دون تمييز ودون قيود رقابية صارمة وفى مناخ من الانفتاح والمتعة والفرح.
ولكل الإنصاف أقول إن كثيرا مما نتمناه يتوافر فى هذه الدورة للمهرجان، بصرف النظر عن حديث دعوات حفل الافتتاح وتكريم البعض ممن لا يستحق، فإن سير المهرجان - الفعلى - جاء مبشرا، فمسألة تجاهل دعوة نجوم عالميين يستنزفون ميزانية المهرجان ودعايته كان أمرا جيدا، وتقليص «حالة» السجاجيد الحمراء أيضا بحيث أصبح التركيز على العروض وعلى مناقشة مبدعيها،
أما على مستوى اختيارات الأفلام المستحقة للعرض فكانت ممتازة تلبى كل الأذواق، بل إن الكثير من الأفلام كان مدهشا وجديدا تماما افتقدناه فى مهرجانات أخرى.
أما الإنجاز الأكثر فى رأيى فكن الامتلاء الكامل للقاعات فى معظم العروض، حضور مبهج لكل الأعمار والأجيال وإقبال رائع من شباب كنا نظن أنهم فقدوا صلتهم بواقعهم تماما ونهائيا وغرقوا فى بحار السوشيال ميديا ومتاهاتها، فإذا بالقاعات تكتظ بهم على كل المستويات، وإذا بحضور كثيف للندوات والمحاضرات والورش المصاحبة لأنشطة المهرجان وإذا بعدد كبير منهم يتقدم لمشاريع لأفلام يتبناها المهرجان ويقدم لها من خلال مؤسسات داعمة - المساعدة على تحقيق أحلاهم بصنع أفلام تحت رعاية مباشرة من متخصصين، حتى الوصول إلى شكل نهائى مُرض لسينما طموحة ومختلفة عن الإنتاج التجارى السائد الذى كاد يدمر روح المشاهد المصرى وذائقته وتعلقه بالسينما التى لها روادها منذ نشأتها.
هذا مهرجان وطنى بكل معنى الكلمة، ندعو الدولة إلى دعمه بأضعاف ما نراه، ونحلم بإقامة «قصر للمهرجانات» داخل القاهرة تيسيرا على الشباب الذى لا يتحمل سوى تذكرة «مترو» أو أجرة ميكروباص للوصول إلى المكان، قصر للمهرجانات تقام فيه كل الظواهر الثقافية من سينما ومسرح وموسيقى وآدب وفنون تشكيلية، قصر يعيد للقاهرة ولمصر دورها الريادى ويترك «للأوبرا» تنظيم أنشطتها الخاصة، قصر للمهرجانات فى قلب القاهرة نطمح أن يحتوى أيضا على «أرشيف قومى للسينما المصرية ومتحف لها، هناك قصور مهجورة داخل القاهرة يمكن حتما أن تؤدى هذا الدور مع قليل من التطوير لتلائم الحلم الكبير.
وحتى تتم الاستجابة لهذا الحلم الكبير، أدعو كل المهتمين وذوى الشأن إلى المحافظة على ما تحقق حتى الآن والكف عن «جلد الذات» والكف عن النقد الهدام وعن محاولات الوقيعة بين العاملين بهذا المهرجان المهم وبينهم وبين المسؤولين لأغراض خاصة لا تخفى على أحد.
وشكرا لكل من ساهم فى نجاح هذا المهرجان وفى إقناعنا به،
شكرا لحسين فهمى وعصام زكريا، وكل طاقمهما الفنى المحترم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة