نتحدث كثيرا عن الذكاء الاصطناعى، كتقنية جديدة وثورة تكنولوجية هائلة، بالتأكيد لها الكثير من المنافع، بينما أيضا هناك مخاوف مُتعددة بشأنها، وقد تمت مناقشة بعضها فى سياق رؤية البعض أنها ستستقطب مهنا مختلفة من البشر لصالح الآلات، أو مدى جودة بعض المهن إذا تمت من خلال الذكاء الاصطناعى بدلا من البشر، فيما لم نتحدث عن مخاطره على عقول أبنائنا وما يُمثله ذلك من مخاطر على مستقبل بنائهم التعليمى والأكاديمى، إلى جانب مستقبل البحث العلمى، الذى لا شك أن نجاحه وتطوره يقوم فى الأساس على فكرة يتم تبنيها من قبل الباحث، يُحاول فى مسيرة بحثه على تطويرها وتقديم رؤيته الخاصة التى من شأنها المُساهمة فى تطوير موضوع أو مجال ما، يُمكن فيما بعد البناء عليها وتطويرها من حين إلى آخر، بما يُساهم فى مجالات مختلفة لصالح البشرية.
الآن، ومع ظهور برامج الذكاء الاصطناعى المُساعدة مثل Chat gpt وGimini وغيرهما بات الأمر يسيرا على الطلاب والباحثين فى جميع المراحل التعليمية، فبمجرد طلب المدرس أو المُحاضر لبحث أو تكليف، سرعان ما تجد الطالب أتم البحث دون أى مجهود يُذكر، وبدلا من الاستعانة بهذه التقنية وتوظيفها لمزيد من الجودة فى الأبحاث، باتت تُستخدم بديلا عن القيام بهذه المُهمة، والتى بالتأكيد تُثرى العقول خلال خطواتها من بحث وقراءة، وأيضا تنمية القدرة على التفكير والإبداع وربط المعلومات بعضها ببعض، وما إلى ذلك من خطوات بحثية، يكون الهدف منها فى الأساس تنمية وبناء العقول.
لقد أصبح الأمر مُرعبا بما يُمثله من تهديد على عملية بناء الفرد منذ الصغر، فيبدو أنه إذا لم ننجح فى وضع آلية واضحة يُمكنها التوعية بإيجابيات ومخاطر الذكاء الاصطناعى، وبكيفية الاستخدام والتوظيف الأمثل لمثل هذه التقنيات، سنكون بعد سنوات - أعتقد أنها ليست بالبعيدة - أمام جيل كامل قائم على فكرة الاتكالية فى كل شىء، غير قادر على التفكير ومن ثم غير قادر على الإبداع، ولديه قصور فى الاعتماد على نفسه فى كثير من المواقف، فأصبحنا نرى بعضا من الشباب والمراهقين يعتمدون على إجابات برامج الذكاء الاصطناعى فى حياتهم العادية والشخصية حتى فى أبسط المواقف.
وربما إذا ظل الأمر على هذا المنوال وفى ظل مزيد من التطور الذى يشهده عالم الذكاء الاصطناعى، فبالتأكيد أن مستقبل البحث العلمى سيكون أمام خطر كبير، لأننا سنفقد - مع الوقت - عناصر قادرة على التفكير، وتوليد الأفكار، والخطط الجديدة، والقدرة على التخطيط، فمعلومات وبيانات تلك البرامج ما هى إلا مُجمعة من مصادر ومعلومات مختلفة موجودة بالفعل، ومهما طورت وغيرت فى ملامحها، فهى لا تأتى بجديد، كما ستكون الأفكار جميعها أمام الجميع دون سرية، وهو ما تحتاجه بعض المجالات التى تحتاج إلى تفكير وتخطيط مُختلف وبشكل سرى.
لذا أعتقد أننا فى حاجة مُلحة فى هذه المرحلة إلى مشروع توعوى مُتكامل بسلبيات الاعتماد على الذكاء الاصطناعى، دون تعلُم كيفية توظيفه والفرق بين الاستعانة به كمُساعد، ولاغ للشخصية، والعقل الذى هو فى الأساس ركيزة التميُز والاختلاف، وذلك للحفاظ على مستقبل البحث العلمى وعقول أبنائنا.