فى الوقت الذى تحتفل فيه سلطنة عمان الشقيقة بعيدها الوطنى الـ54، تنتابنى مشاعر وذكريات عديدة، خاصة وأننى فى مثل هذا اليوم من 30 عامًا، وفى شهر نوفمبر 1994، كانت رحلتى الأولى خارج وطنى متجهًا إلى السلطنة.. رحلة طويلة بدأت فى نوفمبر، شهر الأعياد الذى احتفل فيه كل عام بعيد ميلادى وتحتفل فيه عُمان بعيدها الوطني.
30 عامًا مرت وسط الكثير من الذكريات، كنت خلالها شاهدًا على مسيرة كبيرة ونهضة مستمرة، وسيرة وطن عشت فيه أهم مراحل العمر، ووقائع مهمة وأحداث مفصلية عشتها كنت شريكًا فى بعضها عبر ما كتبته تعبيرًا أمينًا عنها وعبر طريق طويل عايشته مع النهضة العمانية التى تحدثنا عنها بصدق وموضوعية، مؤمنًا بأن التاريخ لا يرحم وأن الحياة فى مجملها صعود وهبوط وانتصارات وانتكاسات عديدة.
فى ربوع عمان تشكلت فى ذاكرتى أحداث جميلة وأحداث أخرى حزينة وأليمة، تعايشت مع العمانيين ولم أشعر بالغربة يومًا، فأصبحت عمان وطنًا ثانيًا، وجدت الأهل والأصدقاء الذين كانوا سندًا تتكئ عليه، وصدرًا رحِبا تأوى إليه، ونفس صادقة تصغى إليك وتبوح إليها.
وفى 18 نوفمبر من كل عام، تحتفل سلطنة عُمان بعيدها الوطنى المجيد، وها هى تحتفل هذه الأيام بالذكرى الـ 54 للعيد الوطني، فى ظل طفرة تنموية مذهلة، وبنية تحتية راسخة، ونظام تعليمى متاح للجميع، ومستشفيات عالية الجودة، واستراتيجيات تنموية ذات أهداف طويلة المدى لتشجيع الاستثمار، كل تلك الإنجازات حصيلة قيادة محنكة، أطلق شرارتها ورعاها لعقود طويلة السلطان الراحل قابوس بن سعيد مؤسس نهضة عُمان الحديثة، والآن يكمل خليفته السلطان هيثم بن طارق – سلطان عمان - المسيرة المظفرة، وهو صاحب رؤية عُمان 2040 المتجددة، وشهادة موثقة على صمود العُمانيين وجديتهم وعملهم الجاد الذى عايشته شخصيًا.
وفى هذا الشهر من كل عام أسأل نفسى عن سبب كل هذه المشاعر التى تنتابنى حبًا فى عمان، وأجد الإجابة فى أن هناك مشاعر وعلاقات خاصة بين مصر وعمان، ولا يزال الشعب المصرى يتذكر بكل التقدير والاحترام الموقف المشهود للقيادة العمانية، ولعل وقوف سلطنة عمان مع مصر أثناء عملية السلام بين مصر وإسرائيل عام ١٩٧٩، والتى نتج عنها استعادة مصر لبقية أرضها فى سيناء هو من أكثر المواقف السياسية المشهودة بين سلطنة عمان ومصر ، هذا القرار التاريخى للمغفور له السلطان قابوس بن سعيد -رحمه الله- وتواصل هذا الانسجام والنهج السياسى فى عهد النهضة المتجددة التى يقودها بحكمة واقتدار السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- ولعل زيارة فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى لسلطنة عمان ولقائه الأول مع المرحوم السلطان قابوس واللقاء الثانى المثمر مع السلطان هيثم بن طارق، والنتائج المهمة على صعيد الملفات السياسية والاقتصادية، حيث توافق الرؤى العمانية والمصرية فى كل القضايا التى تهم المنطقة والعالم العربي، كما أن التوقيع على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم والبرامج التنفيذية بين البلدين أعطى مؤشرًا على توافق الرؤيتين: عمان ٢٠٤٠ ومصر ٢٠٣٠.
وهذا ما يؤكده السفير عبدالله الرحبى دائمًا، أن سلطنة عمان، بقيادة السلطان هيثم بن طارق، حريصة على تعزيز أطر التعاون القائمة بين البلدين وفتح آفاق جديدة للتعاون الثنائى بينهما فى كافة المجالات خلال الفترة المقبلة، للبناء على النتائج الإيجابية التى تحققت خلال زيارة السلطان هيثم إلى مصر، وما تم توقيعه من اتفاقيات وتفعيل الاتفاقيات القديمة بين الجانبين خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد الزيارة الأولى للرئيس عبد الفتاح السيسى لعمان فى عام 2018 ثم زيارته الثانية فى عام 2022.
فالعلاقات المصرية - العمانية تعد فى الواقع نموذجًا يحتذى به لما ينبغى أن تكون عليه العلاقات العربية- العربية، والعلاقات الدولية، من حيث التعاون وتعظيم المصالح المشتركة، ومن حيث التوافق فى الرؤى والمواقف والتنسيق المستمر بينهما، فيما يتعلق بمواجهة التحديات الإقليمية والعالمية، وهى علاقات قديمة، ويجمع البلدين والشعبين روابط عضوية وقواسم مشتركة.
الحديث عن سلطنة عمان لن ينتهى فمهما كتبت وتحدثت لن استطيع البوح بكل ما يدور بداخلي، فحبى لعمان لا يوصف، و"شهادتى مجروحة" فى هذا الشعب الطيب المضياف، والذى أكن له كل الحب والاحترام والتقدير، متمنيًا له مزيدًا من التقدم والرخاء والازدهار.
ورغم بعض السلبيات القليلة التى واجهتنى إلا أن الإيجابيات كانت كثيرة جدًا وطغت على كل السلبيات، وهنا يكمن السر فى الحفاظ على استمرار إقامتى الشخصية، مديرًا لمكتب جريدة اليوم السابع فى سلطنة عمان الحبيبة، رغم ترك العمل كمدير تحرير لمجلة الأسرة العمانية منذ سنوات طويلة، كى تظل إقامتى لسنوات وسنوات أخرى فى بلدى الحبيب عمان.
وبمناسبة الذكرى الثلاثين لى مع العمانيين، وذكرى العيد الوطنى الـ 54 للسلطنة الحبيبة، وبعد كل هذا العمر الذى قضيته متنقلًا بين القاهرة ومسقط بكل مودة وحب وعطاء.. حتى أننى لم أشعر أحيانًا بأى مدينة فيهما أتواجد.. ما زلت أتمنى أن أجد نظرة خاصة لمن خدموا لسنوات طويلة فى السلطنة.. وأن يتم منحهم الإقامة الذهبية تكريمًا لهم.. ليعيشوا ما تبقى من العمر وهم يفخرون بهذا الوسام العمانى على صدورهم.. وليستطيعوا أن يرتدوه فى أى وقت وهم يولون وجوهم شطر عمان الحبيبة لاستعادة بعض الذكريات الجميلة فى دروبها ولو لأيام قليلة كل عام.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة