قرار المحكمة الجنائية الدولية الأسبوع الماضى، يمثل خطوة مهمة فى مواجهة حرب الإبادة التى يشنها الاحتلال الإسرائيلى ورئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو، بعد المجازر التى قام وما زال يقوم بها ومعه وزير الدفاع السابق يوآف جالانت فى حق الفلسطينيين.
القرار بجانب الدعوى التى تنظرها محكمة العدل الدولية يمثلان تطورا مهما فى مواجهة جرائم الاحتلال على مدى سنوات، ومهما كانت الظروف التى تحيط بالقرار، ومحاولات تعطيل صدوره أو تهديد الأطراف التى تصدره، فإنه يمثل تحولا يستحق العمل لمساندته، باعتباره طريقا جديدا فى مواجهة عدوان عنصرى شديد الإجرام.
قرار المحكمة الجنائية الدولية يسجل حجم المجازر التى تقوم بها حكومة نتنياهو، وبناء عليه أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتى اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت، وقالت إن هناك «أسبابا منطقية» للاعتقاد بأنهما ارتكبا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية فى قطاع غزة، وأن هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن نتنياهو وجالانت أشرفا على هجمات على السكان المدنيين.
واعتبرت الجنائية الدولية أن جرائم الحرب المنسوبة إلى نتنياهو وجالانت تشمل استخدام التجويع سلاح حرب، كما تشمل جرائم ضد الإنسانية والمتمثلة فى القتل والاضطهاد وغيرهما من الأفعال غير الإنسانية، واعتبرت المحكمة أن قبول إسرائيل باختصاص المحكمة غير ضرورى، كما اعتبرت أن الكشف عن أوامر الاعتقال هذه يصب فى مصلحة الضحايا.
بالطبع فإن نتنياهو وعصابته هاجموا القرار، واعتبروه معاديا للسامية، وهى التهمة التى يرددها مجرمو الحرب، ليبرروا جرائمهم فى قتل المدنيين وتصفية عرقية مستمرة من دون توقف، بجانب الحصار والتجويع، وأخيرا منع الأكسجين عن مرضى المستشفيات والماء والغذاء عن الأطفال والكبار.
فى مقابل التعنت الصهيونى والدعم الأمريكى للجرائم الإسرائيلى هناك دول فى العالم أعلنت أنها سوف تعتقل نتنياهو حال وصل إلى أراضيها، ومنهم كاسبر فيلدكامب وزير الخارجية الهولندى، الذى أكد أن بلاده تحترم قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو.
وكما هو متوقع فإن مايكل والتز مستشار الأمن القومى للرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب قد هاجم القرار ووعد برد على المحكمة زاعما أن هذه الجرائم رد فعل ودفاع عن النفس، وتمسكت أطراف صهيونية من الاحتلال بمهاجمة القرار وتوعدت المحكمة الجنائية الدولية، وهو ما يمثل سابقة الاعتداء على منظمات أممية، والاعتداء على القانون الدولى.
والواقع أن الحرب على غزة، والمستمرة لأكثر من عام، تشهد تحولا فى المواجهة القانونية الدولية مع الاحتلال، وبالرغم من الدعم الأمريكى للاحتلال، وأيضا وجود محاولات تعطيل هذه القرارات من بريطانيا أو الدول الداعمة فإنها تمثل تحولا كبيرا، باتجاه محاسبة الاحتلال على جرائم تجاوزت أى رد فعل إلى جرائم حرب ضد الإنسانية.
ويمثل قرار الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو وجالانت، تحولا مهما حتى لو بدا أقرب إلى القرار المعنوى، خاصة أنه سبقته دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، والتى تمثل خطوة فى مسار القضية الفلسطينية، تستقطب دعما، وتحركا إقليميا وعالميا، وطريقا يفتح مجالا أوسع للتعامل مع قضية مزمنة بالتفاف عالمى غير مسبوق، من ملايين المواطنين فى العالم ممن اختلفوا مع أنظمتهم وحكوماتهم، وخرجوا ليعلنوا تضامنهم، وبعد أن اكتشفوا قضية شعب تم اقتلاعه من أرضه وممارسة أشد عمليات القتل والتشريد من احتلال استيطانى، لا يعترف بأى قوانين إنسانية.
وتصب هذه القضايا والدعاوى، فى مسارات الكفاح المدنى طويل النفس، الذى سبق وأن استقطب عشرات لملايين من مواطنى العالم، ممن التفوا حول نضالات الانتفاضات الفلسطينية التى تواصلت من الثمانينيات إلى الألفية بأشكال مختلفة، وكانت طريقا قادرا على فضح وكشف الجرائم الصهيونية وبعد أن تجاوزت الحرب الشهر الثالث عشر، وأكثر من 45 ألف شهيد من الأطفال والنساء، ومئات آلاف الجرحى، يمكن السعى لإدانة الاحتلال بدعم كامل وكفاح يستقطب العالم ويسقط مزاعم الاحتلال العنصرية.
ولا يفترض التقليل من أهمية ما يمثله قرار المحكمة الجنائية الدولية و«العدل الدولية»، التى فضحت قراراتها بإدخال المساعدات ازدواجية أمريكا والدول الداعمة للاحتلال وجرائمه، مما يجعلها تحولا فى مواجهة عدوان مجرم يعادى الإنسانية ويقتل الأطفال.
مقال أكرم القصاص
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة