محمود عبدالراضى

"الرحمة" شريان للإنسانية لا يجف

الإثنين، 25 نوفمبر 2024 10:21 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

في عالمٍ تشتد فيه همسات الألم وتنحسر فيه تباشير الأمل، تصبح الرحمة أكثر من مجرد شعورٍ عابر، إنها ذلك الجسر الخفي الذي يربط الأرواح بعضها ببعض، والحبل السري الذي يغذي الإنسانية بماء الحياة، هي لغة لا تحتاج إلى ترجمان، ولا إلى حروف تصوغها؛ هي أبعد من الكلمات وأعمق من الأفعال، هي فاعلية القلب قبل أن تكون فعالية اليد.

"الرحمة" ليست مجرد عاطفة نرثها مع دمائنا، بل هي اختيار يومي نمارسه مع كل نفس، مع كل ابتسامة، مع كل كلمة طيبة، إنها تدافع عن الضعفاء، وتستجيب للآلام الصامتة التي تكمن خلف وجوه تعودت التظاهر بالقوة، هي الفعل الذي لا ينتظر الشكر، ولا يحتاج إلى مكافأة، بل يعانق الضعف والجروح بروح من التسامح، ويمنح المسافة بين البشر معنى جديدًا، معنى يضمن أنهم ليسوا وحدهم في هذا العالم القاسي.

أما في مجتمعنا، حيث تتسارع الأيام وتتحكم المصالح في مسار علاقاتنا، تغدو الرحمة نادرة كزهرة في صحراء، نبحث عنها في الوجوه المتعبة، وفي العيون التي تخفي خلف ستائرها قصصًا من المعاناة، وفي الأرواح التي تئن دون أن تجد آذنًا صاغية، لكن الرحمة، رغم قسوة الحياة التي نعيشها، لا تزال تلعب دورها في هذا الوجود، كنسمة خفيفة تأتي دون موعد، فتجدد فينا الأمل، وتعيد لنا ثقتنا بالبشر.

في زحام الحياة اليومية، ربما ننسى أن الرحمة لا تعني فقط مساعدة الفقراء أو رعاية الضعفاء، بل هي أيضًا التقدير الصادق للآخر، والاعتراف بحقوقه، واحتضان اختلافه، هي أن نمنح الآخرين فرصة أن يكونوا على طبيعتهم، دون قسوة أو تحامل، الرحمة ليست محصورة في موقف معين، بل هي أسلوب حياة، حالة من الوعي التي تقودنا إلى أن نعيش مع بعضنا في سلام، أن نتعاون بدلًا من أن نتنافس، أن نرفع عن بعضنا أثقالًا ولو كانت صغيرة.

"الرحمة" لا تكون الرحمة مجرد ردة فعل تجاه حاجة أو معاناة، بل هي فعل مقاوم للخشونة التي قد تسكن نفوسنا في غمرة الانشغال والتوتر، الرحمة، بهذا المعنى، هي أن ننظر إلى الآخرين كما نود أن نُنظر، وأن نبادر باللطف حيثما كانت الأنانية قد تتسرب.

في عالمٍ يزداد فيه القسوة، تزداد أهمية أن نكون نحن حراسًا للرحمة، حاملين لمشعلها بين ثنايا حياتنا، ومؤمنين بأننا ما دمنا نمتلك القدرة على الرحمة، فنحن ما زلنا قادرين على التغيير، لأن الرحمة، في نهاية المطاف، هي الرد الصادق على الجفاف الإنساني، والسبيل الأسمى لخلق مجتمع يرفرف فيه الأمل، وتعيش فيه القيم الحقيقية للإنسانية.

فلنكن نحن مَن يمد يد الرحمة، فالعالم بحاجة لها أكثر من أي وقت مضى، ونحن بحاجة لأن نعيشها كي نثبت لأنفسنا أننا ما زلنا على قيد الإنسانية.

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة