مع بدء تطبيق اتفاق وقف الحرب فى لبنان انتهت جولة صراع استمرت شهور، وكادت توسع الصراع إقليميا بشكل يصعب السيطرة عليه.
كل طرف من أطراف الصراع يحاول الإشارة إلى أنه حقق أهدافا، بينما الواقع أن جولة الحرب فى لبنان هذه المرة، وربما ما سبقها فى غزة، تكشف عن تحولات مختلفة فى موازين القوة والنفوذ، وفى حال تطبيقها فإنها تحمل مؤشرات عن نتائج متعددة وتغييرا فى تركيبة التوازن داخل لبنان، تجعل المستقبل مختلفا بصورة غير مسبوقة، حيث تخرج قوى إقليمية من الصراع، بما يجعل التوازن مختلفا عما كان فى السابق.
بنود اتفاق وقف الحرب فى لبنان تختلف عن حروب ومواجهات حزب الله وإسرائيل، التى كانت آخر جولاتها فى صيف 2006، بل إنها تختلف عما سبق 7 أكتوبر 2023، حيث ظهرت إيران فى خلفية الصورة، ثم تراجعت ومعها حزب الله الذى واجه صراعا مختلفا، ومواجهة تحمل الكثير من التحولات عما سبق، وشكل الصراع الإقليمى.
فى البداية ظهرت إيران فى خلفية عملية طوفان الأقصى، ودخل حزب الله بدعوى مساندة جبهة غزة، لكن الحزب وجد نفسه ضمن مواجهة هى الأعمق والأخطر فى تاريخه، من خلال عمليات اختراق معلوماتى انتهت بعمليات نوعية لاغتيال عدد من قيادات حزب الله، وصولا إلى الأمين العام الأسبق حسن نصر الله وخلفائه.
خلال هذه الجولة أسقطت إسرائيل الحواجز ودخلت فى حرب مباشرة مع حزب الله، وأعلنت إيران أنها لن تدخل فى حرب شاملة، وبهذا خرجت من المعادلة، وبقى حزب الله وحده، حتى قبل اغتيال الأمين العام، ما جرى أن إسرائيل أسقطت الغلالات التى تحجب الصورة، وأعلنت عن مواجهة مباشرة، وبالتالى لم يبد أن ضربات الشمال خففت عن غزة، التى شهدت دمارا كاملا وإبادة، بينما كانت خسائر حزب الله فى المواجهة تتجاوز الخسائر العسكرية إلى خسارة سياسية لقيادات.
أراد بنيامين نتنياهو محو ما جرى فى 7 أكتوبر، فأعلن عن تحقيق انتصارات واختراقات بعد اغتيال إسماعيل هنية قائد حماس فى طهران، حيث قال «لا يوجد مكان فى إيران أو الشرق الأوسط لن تصل إليه ذراع إسرائيل الطويلة».
وفى المقابل أبدت إيران خروجا من المعادلة بإعلان أن موقع حزب الله هو أمر لبنانى يفترض حله بالحوار داخل لبنان، وهو تحول سياسى كبير وغير مسبوق، أخرج الصراع للعلن، ووضع إيران فى خيار المواجهة الإقليمية، وحرب مع الولايات المتحدة، حيث استغل نتنياهو عملية 7 أكتوبر وتهديدات حزب الله فى الشمال والحوثيين من الغرب، ليبيع للولايات المتحدة والعالم خطر التهديد ويحصل على دعم أمريكى كامل، ظهر فى تصريحات بايدن ووزير الدفاع أوستن، بضمان أمن إسرائيل، بل أيضا دعم الرئيس المنتخب دونالد ترامب.
وتعكس بنود الاتفاق لوقف إطلاق النار فى لبنان، تفاهمات تتجاوز ما هو معلن إلى خروج أطراف إقليمية من المعادلة بشكل قد يغير كثيرا من شكل معادلة التوازن داخل لبنان، ليس فقط فى منع أى اعتداء من قبل الجماعات المسلحة فى لبنان بما فيها حزب الله، مقابل وقف الاعتداءات الإسرائيلية، لكن باتجاه تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701، الذى يفرض إنهاء تسليح حزب الله وتحريك قواته إلى شمال نهر الليطانى، وأن يأخذ الجيش اللبنانى مكانه بالانتشار فى كل أنحاء لبنان، ووضع بيع وتوريد وإنتاج أسلحة إلى لبنان تحت إشراف ورقابة الحكومة اللبنانية، ومن أخطر النتائج أن الاتفاق يتضمن تفكيك جميع المنشآت غير المرخصة المشاركة فى إنتاج الأسلحة والمواد المرتبطة بالأسلحة، والبنى التحتية والمواقع العسكرية، وتشكيل لجنة مقبولة لدى إسرائيل ولبنان، لمراقبة ومساعدة ضمان تنفيذ هذه الالتزامات، ونشر القوات اللبنانية الأمنية والعسكرية على كل الحدود والمعابر والخط الذى يحدد المنطقة الجنوبية الموضح فى خطة الانتشار، وإلغاء وجود منطقة عازلة.
بالطبع هذا الاتفاق يمثل نتاجا لتحول كبير، وفى حال تطبيقه بشكل كامل فإنه يعنى تصفية أى عناصر مسلحة خارج الجيش اللبنانى، وهى تفاصيل سوف تضمنها التطبيقات، خاصة أن إسرائيل ترى نفسها ربحت من هذه المواجهة أكثر مما كسبته على مدى سنوات، بينما حزب الله لم يربح شيئا، فلا هو نجح فى مساندة غزة، ولا الاحتفاظ بقواه.
ومن الواضح أن هذا الاتفاق يحمل خلفيات لأطراف إقليمية أبرزها إيران، التى سبق وأعلنت على مدى الأسابيع الماضية خروجها من المعادلة اللبنانية، وهو ما سوف يظهر من التطبيق، لأن الاتفاق يتضمن استمرار تبادل المعلومات بين الولايات المتحدة والاحتلال ولبنان حول ما قد يحدث من حركة السلاح، وهو ما يمثل تحولا ستسفر عنه الأيام المقبلة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة