في قلب مصر، حيث النيل يسقي الأرض برحيق الأمل، وُلد نجمٌ أضاء سماء كرة القدم العالمية، ومن شواطئ النيل إلى ملاعب أوروبا، ومن أزقة "نجريج" الصغيرة إلى عرش كرة القدم العالمية، كان محمد صلاح أكثر من مجرد لاعب، كان حكاية تُنسج خيوطها من الأمل والإرادة، وكان كل هدف يحرزه في الملاعب بمثابة شهادة على صمود الإصرار وحلم يتحقق.
لم يكن محمد صلاح، ذلك الفتى الذي انطلقت أولى خطواته في ملاعب كرة القدم في قريته الصغيرة، يدرك أنه سيحمل على كاهله آمال الملايين، وأنه سيصبح اسمًا يتردد في كل أرجاء العالم، لم يكن يعلم أن الرياح التي حملت أحلامه ستهب بكل قوتها، لتدفعه عبر المحيطات، وتفتح له أبواب أكبر الأندية الأوروبية، حيث يتألق تحت أضواء الاندفاع الجماهيري ووميض الكاميرات.
لقد بدأ، كما يبدأ أي بطل، من نادي شعبي، حيث كان يلعب في فريق "المقاولون العرب" في بداية مسيرته، لم يكن يحمل أكثر من حلم بسيط وحقيبة مليئة بالأمل، ولكن مع كل لمسة للكرة، كان يكتب فصلاً جديدًا في قصة حياته، ويقرب نفسه أكثر من هدفه، أن يصبح واحدًا من أفضل لاعبي العالم.
"الطريق إلى القمة ليس مفروشًا بالورود"، ومع ذلك، تجاوز صلاح كل الصعاب بحرفية وإصرار، حتى وصلت قدماه إلى أرض "الأنفيلد"، حيث ليفربول يتنفس الكرة، والجماهير تهتف باسمه.
كانت البداية في إنجلترا أشبه بحلم يراود لاعبًا مخلصًا لطموحه، ولكن صلاح سرعان ما حول هذا الحلم إلى حقيقة، في كل مباراة، كانت تمريرات محمد صلاح لا تقل عن لوحات فنية، ينسجها بعناية فائقة، كما ينسج الفنان خطوطه على قماشه الأبيض، كانت سرعة خطواته على أرض الملعب، وكأنها تنبض بحياة جديدة، تجسد الطاقة والحركة بلا حدود، لم تكن أهدافه مجرد أرقام، بل كانت قصائد حية تروي قصة لاعبٍ يرفض أن يُعرَف إلا بالنجاح.
قد لا يكون صلاح قد بدأ من حيث بدأ الآخرون، لكنه بدأ بما يمتلكه من عزيمة لا تقهر، لم يكن يلاحق كرة القدم فحسب، بل كان يلاحق ذاته، يلاحق حلمه الذي لطالما رأى فيه الطريق الذي سيقوده إلى المجد، وعندما انطلقت صيحات الجماهير في "أنفيلد"، كان محمد صلاح قد أثبت أن النجاح ليس بالأمر الذي يُمنح، بل هو الذي يُصنع، ولو كان من صخر.
وكأن النجم المصري قد أخذ من أضواء لندن وروما وكوبنهاجن، وخلطها مع تربة "نجريج" ليصنع مزيجًا من العظمة، كل هدف كان يعادل قصيدة شعرية، وكل تمريرة كانت رواية تروي سيرته، صلاح لا يُقاس فقط بقدرته على تهديف الكرة، بل بقدرته على إشعال الحماس في قلوب الملايين من عشاقه، في كل ركن من أركان الأرض.
وما يجعل من محمد صلاح أسطورة حية، ليس فقط مهاراته أو أهدافه أو انتصاراته مع ليفربول، بل قدرة هذا اللاعب الفذ على أن يكون رمزًا للقوة والإرادة، رمزًا لشابٍ مصري لم يتوقف حلمه عند حدود القارة، بل اجتاز القارات ليصل إلى قلوب الملايين، هو مثال حي على أن الظروف مهما كانت صعبة، والبدء من نقطة الصفر مهما كان محبطًا، لا يقف في وجه من يصر على جعل الحلم حقيقة.
محمد صلاح هو اللاعب الذي لم يقتصر نجاحه على كرة القدم، بل أصبح مصدر إلهام لملايين الشباب في الوطن العربي، وأصبح معشوقًا لكل من يطمح في بلوغ النجومية دون أن يتخلى عن جذوره، في كل مرة يرتدي فيها قميص "الريدز"، يحمل معه رسالة أن النجاح لا يتوقف عند حدود الأرض، بل يرتفع إلى السماء.
لقد أصبح محمد صلاح أكثر من مجرد لاعب كرة قدم، أصبح أسطورة حيّة تمشي بيننا، أسطورة تكتب قصة جديدة في كل هدف، في كل تمريرة، في كل لحظة يترك فيها بصمته على تاريخ كرة القدم، ومن هنا، لا بد أن نعترف: إذا كان للسماء نجوم، فمحمد صلاح نجمٌ لا يُخفى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة