هيثم الحاج على

محمد صلاح والتكوين الثقافي

الخميس، 28 نوفمبر 2024 01:19 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لم يعد اسم محمد صلاح مجرد اسم للاعب كرة ناجح لكنه أصبح يمثل إحدى العناصر المهمة للقوة الناعمة المصرية التي يمتد أثرها إلى خارج محيطها الحيوي لتصدر صورة إيجابية إلى العالم، فهو ليس فقط ذلك اللاعب الذي استطاع أن يحقق نجاحه الخاص في كرة القدم في موطنها الأصلي، ولم تعد شعبيته حكرا على جماهير فريقه، بل إن الأغنيات التي يتم تأليفها خصيصا له والتي أشهرها "الملك المصري" يمكن النظر إليها بوصفها دعاية حقيقية لمصر، دعاية غير مرتبة ولا مدفوعة.

وإذا كانت كرة القدم قد تعدت أثرها الأول من كونها مجرد رياضة تنافسية صارت هي الأعلى شعبية في العالم لتصبح صناعة حقيقية متكاملة العناصر ويتم الاستثمار فيها بأرقام تفوق بعض الصناعات الثقيلة، فإن الأثر الثقافي الذي أحدثته كرة القدم يفوق كثيرا من المشروعات الثقافية الموجهة وهو الأمر الذي يستلزم الوقوف حياله واستثماره.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن أنه إذا كان محمد صلاح قد استطاع تقديم هذا المثل بوصفه اللاعب المصري الفذ فلماذا لا يتم استنساخ تجربة صلاح في لاعبين مصريين آخرين؟ وما هي المقومات الأساسية التي اعتمد عليها من خارج دائرة كرة القدم؟

مثل صلاح العقلية المصرية حين تواجه تحديا حقيقيا بطموح كبير فاستغل كل أدواته الممكنة لكي يضرب مثلا في تطوير النفس، فلم يواظب فقط على التدريبات الروتينية ولا حتى التدريبات الزائدة وحسب، لكنه عمل على تطوير أدائه البدني اعتمادا على تطوير عقله والتعامل معه، وهو الأمر الذي يمكن الإشارة فيه على أن كثيرا من لاعبينا قد ركزوا فقط على الأداء البدني ولم يهتموا بوعيهم، وهو الأمر الذي يمكن ملاحظته في كثير من نماذج للاعبين مصريين كانوا يبشرون بمستقبل واعد لولا أنهم سقطوا في فخ تغييب الوعي وعدم التركيز فانتهت مسيراتهم سريعا، أو بمشكلات كبرى، وهي أمثلة متكررة بتواتر شديد.

لم تكن علاقة صلاح بالكتاب إذن مجرد علاقة شكلية أو حتى من قبيل الدعاية بل إنها علاقة تم بناؤها بوعي شديد لخلق عمق حقيقي في وعي الشخصية هو العمق الذي يمكن اللاعب من تطويع بدنه لأداء ما يفكر فيه عقله، فليست المسألة إذن من قبيل الصورة الدعائية أو حتى بناء القدوة لكنها في النهاية تلك العملية المعقدة جدا التي تسهم في خلق كل متكامل.

الآن وبعد أن وصلت تجربة لاعب مصري إلى ذروتها وبعد أن تيقنا من أنها مكسب حقيقي ليس فقط على المستوى المحلي لكن كذلك على المستوى القومي ألا يمكن أن تتبنى الدولة المصرية مشروعا لتنمية الوعي الثقافي لدى أبطالها الرياضيين لضمان خلق شخصية رياضية واعية وعيا عميقا بنفسها وبثقافتها وبإمكاناتها الجسدية، وهو المشروع الذي يجب أن تتعاون فيه مؤسسات الرياضة والثقافة في مصر، بل إنه المشروع الذي يمكنه أن يمتد إلى كل مبدع مصري في كل المجالات فنحن في أمس الحاجة الآن إلى ذلك الوعي العميق في كل المجالات.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة