على وجه الدقة والتحديد، منذ ما تسمى - كذبا وبهتانا - ثورات الربيع العربى، تكشفت - بوضوح مفرط - مواقف الإعلام الأمريكى والغربى، بجانب المنظمات المدعية بالدفاع عن «حقوق الإنسان» فى تناولها القضايا وفق هندسة منضبطة على إيقاع المصالح، والأغراض، فبينما ينصب جُل اهتمام وسائل الإعلام الغربية والأمريكية، وتقارير المنظمات الحقوقية على أحقية التظاهر والتخريب والتدمير، وياللعجب، تلقى صدى عند معظم الأنظمة والحكومات الغربية الكبرى، هى نفسها وسائل الإعلام والمنظمات والحكومات، التى تدعم بقوة الآلة الحربية الإسرائيلية لارتكاب أبشع جرائم القتل والتهجير، فى غزة، وجنوب لبنان، يدافعون عن الظالم ويدعمونه، ويدينون المظلوم، المقهور المسلوبة أرضه ومقدراته!
منذ ذلك التاريخ الفوضوى الذى غرس عددا من الدول العربية - بشكل مبدئى - فى وحل الفوضى، رأينا كيف تتناول الصحف الأمريكية والغربية، هذه الفوضى، بكذب أشر لا يمت للحقيقة بصلة من قريب أو بعيد، والهدف هو تأجيج تهيئة الطريق للتدخلات العسكرية تحت عنوان خادع وناعم، الدفاع عن المدنيين المتظاهرين، فتدخلوا فى سوريا، وليبيا، وقطعوا أوصالهما، ثم السودان واليمن، ومن قبلها بالطبع، العراق والصومال، وحاولوا فى تونس ومصر، لكن الشعب المصرى وقواته المسلحة الباسلة، حالوا دون سقوط مصر، ونجت القاهرة من فخ الفوضى والتقسيم.
الإعلام الأمريكى والغربى - بمنظماته - ليس مقدسا، وليس حرا أبيا، وإنما موجه «رسمى نظمى»، ويُباع ويُشترى، ويتحدث بلسان الأقوى، لذلك كل ما يسطره يحمل كل الشك والريبة، وكم من تقارير نشرت فى كبريات الصحف، وكم من تقارير مصورة أُذيعت على شاشات كبرى المحطات التلفزيونية، لا تمت للحقيقة بصلة، واعتراها الكذب والخداع!
وخلال الأيام القليلة الماضية، بعض الكتاب الصحفيين من الذين يطلقون على أنفسهم صحفيين استقصائيين، نشروا تحقيقات صحفية، وأيضا ألّفوا كتبا، وكتبوا تدوينات ومنشورات على وسائل التواصل الاجتماعى، جميعها تتحدث عن الحرب فى غزة، وتحمل عباراتها ومصطلحاتها محاولة حقيرة لتأليب الشعوب العربية ضد حكوماتها من ناحية، وتأليب الحكام بعضهم ضد بعض من ناحية أخرى!
يتحدثون عن مصر بإلصاق الأكاذيب والشائعات بها، وتجد صدى عند التنظيمات والجماعات وأدعياء النضال المزيف، دون إدراك حقيقى أن الأفعال أعلى صوتا من الأقوال، وأن مصر «وطن» الأفعال، ساندت القضية الفلسطينية منذ ظهور العصابات الصهيونية، بالغالى والنفيس، وتعاملت بشرف وإباء، ومنذ 7 أكتوبر 2023 وهو التاريخ الذى منح نتانياهو الفرصة الذهبية لتنفيذ مخططاته وإنقاذ نفسه من الولوج فى غياهب السجون، بشن حرب إبادة الحرث والنسل، البشر والحجر، فى غزة وهى مغامرة «الكل فى الكل» إما أن أنتصر وأخرج بطلا تتهاوى تحته كل جرائمه الداخلية، أو الانتحار، وهنا مصر وقفت كحجر عثرة، سخرت كل إمكانياتها الدبلوماسية، وسمعتها الدولية، وكشرت عن أنيابها لمنع وأد القضية، وتهجير الفلسطينيين.
دعت لمؤتمر دولى، حملت فيه لواء الحشد العالمى لتصحيح الصورة المغلوطة عن أحداث 7 أكتوبر والتى روجت لها الآلة الإعلامية الإسرائيلية لكسب تعاطف دولى غير مسبوق، ونجحت مصر فعليا فى تصحيح الصورة، وما أفسدته الخطط والقرارات غير المدروسة، ودون تنسيق مسبق، وعدم تحديد الأولويات والأهداف، ودون معرفة حقيقية لمن هو الناصح الأمين، صاحب الموقف الواضح الشريف.
مصر وخلال قمة «القاهرة للسلام» التى دعت له ووجهت الدعوة لمعظم دول العالم للمشاركة، وانطلقت فعالياتها يوم 21 أكتوبر 2023 أى بعد قرار إسرائيل قصف غزة، بأيام قليلة، دشنت عشرات اللاءات فى وجوه كل زعماء الدول الكبرى، أمريكا وأوروبا بشكل خاص، وباقى العالم، بشكل عام، وبدأتها بـ«لا لتصفية القضية الفلسطينية، ولا للتهجير القسرى، ولا لأى حل على حساب مصر والأردن، ولا لاحتلال غزة، ولا لوجود الناتو على الأراضى الفلسطينية، ولا بديل سوى حل الدولتين»، وغيرها من اللاءات.
مصر وحتى تاريخه، تبذل جهودا مضنية من أجل الفلسطينين، وتدفع ثمنا باهظا لمواقفها الشريفة، و«لاءاتها» المستمرة، ورغم ذلك تتلقى طعنات التشكيك والتسخيف، من جماعة خائنة هنا، وتنظيم وقح هناك، وكتائب وذباب إلكترونى من كل حدب وصوب، ويبقى الإجماع الشعبى، والجيش الذى فى رباط إلى يوم الدين، واقفون صامدون يدافعون عن الأرض والعرض والمقدرات ببسالة مدهشة.
ونقول لهؤلاء جميعا، كبرت كلمة تخرج من أفواهكم العفنة، وأن مواقف مصر من القضية الفلسطينية ناصعة البياض، مسجلة فى سجلات التاريخ بأحرف من ذهب، وأنها دولة شريفة مخلصة، أقوالها فى الخفاء هى ذاتها فى العلن، وأنها وطن الأفعال والأقوال معا.