المبادرة الرائدة التي قام بها أهالي قرية "قمن العروس" مركز الوسطى بمحافظة بني سويف تستحق التحية والتقدير والاحترام، وهي الخاصة بتيسير الزواج على الشباب المقبل على تكوين أسرة ، بعد أن تحولت طقوس الزواج في مصر وحتى في بقية البلاد العربية إلى أمر غاية في الصعوبة ابتعد تماماً عن حكمة الزواج وحتى عن كل الأديان السماوية التي لم تشترط سوى القدرة العمرية والنفسية والأخلاقية ، وحرمت الكثيرين من متعة الاعتماد على النفس في بناء المستقبل ، أما ما طرأ على مجتمعاتنا من مظاهر كاذبة فاقت كل القدرات على كافة المستويات فهذا أمر كان لابد له من وقفة ، والجميل في حالة قرية قمن بمحافظة بني سويف أن المبادرة جاءت ذاتية من أهالي القرية سبقوا بها كل القرى والمدن الأخرى ، ونتمنى أن تنضم إليها وتضيف عليها بقية المجتمعات تيسيرا على الشباب والفتيات بعد أن أصبح التجهيز للزواج أمراً قاسياً.
تقوم المبادرة على عدة بنود منها : إلغاء غرفة الأطفال وإلغاء "النيش" وغرفة السفرة، والاكتفاء بالمستلزمات الأساسية ، وإلغاء هدايا أمهات العروسين ، وإلغاء الكعك والبسكويت وإلغاء رد الشبكة والهدايا ، وإلغاء الواجبات المتبادلة ، وتحديد ٢٠ ألف جنيه كحد أقصى للنفقة والملابس ، و٣٠ ألف جنيه كحد اقصى للذهب وكتابة باقي القيمة المتفق عليها ، وألا يتجاوز المهر ٣٠ ألف جنيه ، والاكتفاء بخمس سيارات صغيرة أو سيارتان كبيرتان لنقل الأثاث، والاكتفاء بعشر مفارش وعشرون فوطة وبطانيتين ، وإلغاء الوليمة أو واجب الضيافة للعروسين ، وهذه بداية موفقة لمثل هذا الفكر الذي يثور على الواقع الذي أصبح مؤلماً .
لعله لا يغيب عن الكثيرين ما تعرضت له العديد من الأسر المصرية بسبب تكاليف الزواج التي تبتعد عن أي عقل متحضر ، وكيف نشأ في مجتمعنا ظاهرة غريبة تفاقمت على مدى السنوات الماضية هي ظاهرة الغارمين والغارمات ، وهي تخص بعض الأهالي الذين يضطرون إلى كتابة إيصالات أمانة على أنفسهم لشراء مستلزمات الزواج لأبنائهم ، التي تفوق قدراتهم بكثير ولا يستطيعون الوفاء بهذه الالتزامات، ولا يستطيع القانون أو المجتمع حمايتهم من تبعاتها ، حتى ضجت السجون بالمئات منهم ، وكان بعضهم محظوظا حين قام الرئيس على مدى عامين بتسديد المستحقات الواجبة عليهم من صندوق تحيا مصر ، ثم قامت جمعية مصر الخير بمبادرات مماثلة ، وقد خرجت العديد من الأصوات ( وأنا منهم) تدعو إلى وقف هذه الظاهرة من منبعها وليس بالدفع لهؤلاء حتى يستمرأ غيرهم هذا السلوك .
من المؤكد أن كل أسرة تريد إسعاد أبنائها ومساعدتهم لأبعد مدى ، ولكن ليس بما وصل إليه حالنا من مظاهر كاذبة لم تقتصر على القادرين وإنما انسحبت إلى غير القادرين، الذين يستدينون فوق طاقته وقدرتهم على السداد حماية لأنفسهم من قسوة وتندر أقاربهم وجيرانهم واتهامهم بالفقر كما لو كان الفقر جريمة أو سُبة، وأصبح هناك تنافس مرضي في الريف والحضر ومباراة مبالغ فيها لجلب كل ما هو ضروري وغير ضروري بل وغير مطلوب لا لشيء سوى التباهي الكاذب. لقد لجأت هذه الأسر لتكديس مستلزمات غير ضرورية بينما تركت ما هو أساسي في بناء الأسرة وهو توعية أبنائهم شبان وشابات بكيفية إنجاح العلاقة الزوجية والحفاظ على سلامة الأسرة والمودة والرحمة والتكامل والاحترام ، وكثير من تلك الأسر قد ضاع ما لهثت من أجل شراءه بعد أن واجه الزوجين الجديدين مشاكل الحياة ولم يتعلما كيف يجتازاها معا ، فكانت النهاية سريعة وقاسية ، وتفادي هذا هو ما يجب أن نهتم به ونعمل على ترسيخه واستدامته، وهذا ما يعيد الأسرة المصرية إلى طبيعتها الطيبة التي افتقدناها مع تراكم هذه العادات السيئة التي لا تمثلنا ولا تعكس مجتمعنا الحقيقي.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة