أصبحت هناك ما تعرف بـ«صناعة المهرجان» تختلف باختلاف ثقافة واهتمام المسؤولين والجماهير المستهدفة، ولكنها صناعة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لها هيكل إدارى وبنية تحتية ومواد خام وجهات مشاركة وتناغم دولى، يتم فيه التنسيق بين كل المؤسسات الوطنية والدولية من البلاد والمشاركة.. ومن هذا التعريف يمكننا أن نضع بضعة شروط لنجاح أى مهرجان «سينمائى أو غيره»:
- اقتناع الدولة الحاضنة «الراسخ» بأهمية هذا المهرجان للدولة وللجماهر المستهدفة، وبالتالى إدراجه فى أولوية مناسبة وعدم اعتباره شيئا كماليا، يتم تمويله من فائض أى ميزانية أو جهد، وبالتالى من شأن هذا الاقتناع أن يعطى توجها لكل مؤسسات الدولة وتلميحا لمؤسسات المجتمع المدنى بأهمية تخصيص كل أنواع الدعم الممكنة، باعتباره أمرا ضروريا لاقتصاد الوطن والترويج لثقافته وقوته الناعمة، التى تعود فى النهاية إلى الإنسان الذى هو صانع كل تقدم وكل رفاهية.
- يترجم هذا الاهتمام إلى مهام ضرورية تشمل خطوات تنفيذية ذكرنا وما زلنا نلح على بعضها.
- إقامة قصر للمهرجان لكل محافظة كبرى، تتولى إدارته هيئة مستقلة خارج نطاق البيروقراطية الحكومية، ومشاركة فعالة من مؤسسات المجتمع المدنى، قصر مجهز بشكل حديث يناسب قرنا جديدا تلعب فيه الثقافة دورا محوريا فى كل محاور التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ويجدر بنا هنا الإشادة بالمجتمع الثقافى، الذى تمت إقامته فى المدينة الإدارية، الذى يمثل رؤية جديدة لدور الفن والثقافة رغم «بعد» المكان عن متناول الجماهير العادية والمتعطشة، ورغم عدم وجود «برنامج» واضح لإدارة المكان، بعيدا عن البيروقراطية والسيطرة الحكومية.
- تلح ضرورة تضمين المشروع الرائد «حياة كريمة» على المساواة الكاملة بين إقامة مستشفى أو مدرسة أو مصنع، وبين إقامة مجمع أو كمبوند ثقافى يشمل قاعة للمكتبة والموسيقى وخشبة مسرح وشاشة عرض سينمائى، مجمع نطمح أن تشرف الدولة- بلا بيروقراطية- على صيانته وتحديثه، ويمكن أن تترك إدارته لمنظمات المجتمع المدنى، ممثلة فى جمعيات أدبية أو موسيقية أو فنية لها ميزانية مدعومة من وزارة التضامن، ورقابة على حرفيتها وأوجه نشاطها، وحكم لو تحقق كفيل باندماج أجيال كاملة فى هموم الوطن والمواطن، وإطلاق حريات الناس وإبداعهم فى اتجاه تقدم هذا الوطن، والأهم إبعادهم عن كل أشكال التطرف والعنف، الذى يزدهر فى غياب التجاهل والخوف من الإبداع واحتكار الرأى الواحد.
- إجراءات تشريعية ملحة تلزم البيروقراطية الحكومية بدعم الأنشطة المتعلقة بصناعات الثقافة والفنون، من إعفاءات ضريبية وسهولة منح التراخيص، وصولا إلى تعاون مؤسسات كبرى، مثل شركات الطيران فى دعم هذه الأنشطة، التى تعود على الوطن بمكاسب سياحية واقتصادية لا يمكن إنكارها.
- بالإضافة إلى تشجيع دعم الصناعة من قبل «لقطاع الخاص» لا يجب أن تتخلى الدولة عن هذا الدعم، الذى توقف تماما منذ سنوات، بل إن الحصول على تراخيص تصوير فى الشوارع أو المطارات أو المدارس أصبح مسألة تعجيزية، وكأن هناك عداء بين السينما وبين كل المسؤولين عن هذه المؤسسات.
- تخفيف الرقابة على جميع المصنفات الفنية وإعادة تأهيلها، بحيث لا يعمل بها سوى أشخاص ذوى ثقافة رفيعة، والأهم منحهم حصانة حقيقية تمنع ملاحقتهم من أى جهة، وأن يكون الاحتكام إلى ضمائرهم وحسهم الفنى والتزامهم بقواعد الدستور هو الفيصل النهائى فى التصريح بأى عمل أو منعه، وأن يتم ذلك على مراحل تمنع خسارة المنتج الذى يستثمر أمواله دون أن يتم تأمين هذا الاستثمار بفوضى الإفتاءات والآراء الشخصية، التى تعكس انفصالا عن واقع يرفض الاستسلام للتخلف والتصلب والجمود.
صناعة المهرجان صناعة كبرى، أصبحت هيكلتها تشمل المئات بل والألوف، وأصبحت التخصصات بها متعددة وحداثية، وبالتالى إنما دورها فى نشر الثقافة ودعم الأفلام وفتح أبواب أمل لكل المبدعين، إضافة إلى دورها التقليدى فى امتصاص طاقات الشباب وتوجيهها نحو الخير والجمال بديلا عن القمع والعنف والظلام.
وكلمة أخيرة أوجهها إلى صديقى حسين فهمى وعصام زكريا: أنجزتما دورة ناجحة، فلا يجركما كارهو النجاح إلى تدمير الإنجاز، ليس هناك عمل ملائكى أو كامل، وأنتما تعملان فى ظروف نعلمها جميعا.. انشغلا منذ الآن بالدورة المقبلة، وتجاوزا كل الصغائر، فالوطن أحق وأولى.