أحمد إبراهيم الشريف

دلشاد الجزء الثانى.. لا يزال الجمال مستمرًا والحزن أيضًا

الإثنين، 04 نوفمبر 2024 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

عندما انتهيت من الجزء الثاني من رواية "دلشاد" للمبدعة العمانية الكبيرة بشرى خلفان، والذي حمل عنوانًا فرعيًّا (الدم والذهب) عرفت معنى الجملة التى صدرت بها بشرى الرواية "ما الشبع إلا وهم".

مرة أخرى نواصل الرحلة مع "دلشاد" وابنته "مريم" في عالم صعب لا تؤنسه سوى ضحكات تأتي كل حين، ضحكات لا يفجرها الفرح دائمًا، بل قد تنبع من الحزن والإحساس بالعجز، ومن هنا ينتشر الشجن الذي ينسج رداءه على كل أطراف الرواية.

استطاعت بشرى خلفان أن تربطني بشخصيات العمل مرة أخرى، فرحت أتتبع خطاهم، لكن ما بيني وبين مريم دلشاد رباط لا انفكاك له، إن فرحت مريم فرحتُ معها، وإن حزنت انتكس القلب.

ومن هنا أرى أن بشرى خلفان قدمت للسرد العربي شخصية خالدة في الرواية العربية فـ "مريم دلشاد"، لا أقول إنها رمز دال على المرأة العربية في زمن ما، لكنها أكثر من ذلك إنها نمط دال على الإنسانية، استطاعت بشرى خلفان أن ترسمه بتريث يليق بشخصية مركزية، وأن تضفي عليها من سمات الفن والواقع ما يجعلها "باقية" بين الشخصيات الروائية الكبرى في تاريخ الأدب العربي، فـ "مريم دلشاد" هي أول كل شيء وآخره، هي الباحثة عن والدها، وخلال رحلتها الطويلة المضنية تلتقيه مرتين، في أول الرواية وآخرها، تلتقيه فلا تعرفه، ولا يعرفها، بينما أكاد أنا أصرخ "انتبهي يا مريم، دلشاد هو من اصطدم بك".


وتواصل بشرى خلفان في الجزء الثاني البحث في النفوس البشرية، فكل نموذج ظهر في الرواية كان بمثابة "حالة مكتملة" لها دوافعها وأهدافها وتأثرها بالمجتمع، فلدينا "فريدة" ابنة مريم وعبد اللطيف، شخصية مرتبكة ما بين حبها لأمها ورغبتها في الاستقلال، وناصر بن صالح  باحث عن الطمأنينة بسبب الغربة التي عاشها في الداخل والخارج، كلما ظهر في الرواية تساءلت: "كيف لرجل ألا يعرف اسم أمه؟!!!".

بينما نظام أحمد رسلان هارب من الدم العالق في يديه، يطارده إحساس بالذنب على جرائم لم يقصدها، وصالح بن سيف باحث عن الحق بطريقة خطأ، ويظل "شنون السرسري" القصة الأكثر مأساوية في الرواية، الحائر بين حياتين، ودافع الثمن لما فعل وما لم يفعل، بينما "فاطمة لولاه" هي المحبة الباحثة عن حب "مراد داهوك" بعد موته.  


كما تواصل بشرى خلفان البحث في المصائر، أقول لها: لماذا لا تنتهي الأمور كما نريد يا بشرى؟
فترد حسب أحداث الرواية: لأنها الحياة.

تقول لك الرواية إن الحياة، ليست رواية تقرأها، في نهايتها ينصلح الحال ويلتقي الأحباء، لا، إن الحياة مثل سيرة مريم ودلشاد في الرواية، منها ما يضحك وأكثرها ما يبكي، وفيها مصائر لا تتلاقى، ولو تلاقت لتغيرت الدنيا، لقد ظللت مترقبًا، تمنيت أن تلتقي مريم بأبيها، وأن تزيد علاقتها وتقوى بالعسكري نظام أحمد رسلان، قلت كيف سيصبح حال مريم لو حدث ذلك، لكن رغم أمنيتي، عرفت أن ما أقوله لا يتفق مع منطق شخصية مريم دلشاد، فهي الواقفة في وجه الحياة، ليس بسبب قوتها، لكن لأنه لا سبيل غير ذلك، تعرف أنه لولا تظاهرها بالقوة لأصبحت مثل "فاطمة" وجُنت من الحزن على عبد اللطيف، أو لاستسلمت لـ"فردوس لوماه" وفقدت ابنتها إلى الأبد، لكن لأنها مريم دلشاد، فقد اختارت ودفعت الثمن.

   أما "دلشاد" فهو فكرة أكبر منه شخصًا، فلو اعتبرنا أن مريم  ترمز لسلطنة عمان في ذلك الوقت، وأنها حاضر السلطنة المقاوم، فإن "دلشاد" هو تراثها وتاريخها الذي يعاني، الذي يُلقى في السجن سنوات لا يعرف عددها، ولا يعرف كيف مرت هذه الأيام.

دلشاد رواية محتشدة، مكتوبة بالتمام والكمال في ذهن بشرى خلفان قبل أن ترويها لنا، مستخدمة لغة قادرة على ترك الأثر في النفوس، وقادرة على الإخبار، وقادرة على الحركة للأمام وبناء الدراما.


 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة