لا أحد ينكر سحر الانتخابات الأمريكية في تسويقها لشعارات الديمقراطية والحريات، وصناعتها لحالة زخم تجعل العالم كله يتابعها ويترقب نتائجها بل أصبحت موسما للتحليل والاستشراف، وكأن العالم كله بات يدور في فلك الولايات المتحدة، فلما لا والأمن القومى الأمريكي أصبح يشمل العالم كله.
والمدهش - حقا - أن حالة الإبهار التي تصنعها الانتخابات الأمريكية تأتى في سياق نظام انتخابى معقد وصعب للغاية، غير أن الأكثر دهشة، أن كل هذا يأتي في إطار خدمة الأمن القومى الأمريكي وتحقيق المعادلة الصعبة.
نعم المعادلة الصعبة التى تأتى وفق تبنى الولايات المتحدة إلى استراتيجيتين، الأولى: هى "الاستراتيجية القومية" الخاصة بدولة المؤسسات والتي يعد مجلس الأمن القومى الأمريكى على رأسها، وهى التي تتحكم في صناعة القرار الأخير والنهائى من أجل تحقيق الهدف الأكبر للولايات المتحدة.
أما كل ما يدور بشأن الانتخابات ومن يجلس في البيت الأبيض، فهو يأتي في إطار "استراتيجية الإدارة"، التي يديرها حسب لعبة الانتخابات، إما الحزب الديمقراطى أو الحزب الجمهوري، وبالتالي يكون الهدف الأكبر هو ملاذ الحزبين في النهاية، لكن المختلف هو طريقة الوصول لا أكثر، أو بمعنى آخر، سياسة الحزب الديمقراطى قائمة على المرونة والتفاوض والدبلوماسية الناعمة واستخدام القوة الذكية لتحقيق الهدف الأكبر، أما سياسة الحزب الجمهورى فقائمة على السياسة الخشنة والقوة ثم القوة لتحقيق الهدف الأكبر، إذن الحزب يعملان على تحقيق الهدف الأكبر لكن الطريقة مختلفة.
لنأتى إلا الطرف الآخير في هذه المعادلة، وهو المواطن الأمريكي، وهنا تأتى الانتخابات ليكون المواطن هو محورها الأول والأخير، لكن استراتيجية الولايات المتحدة دائما تحرص على عدم إشغال المواطن الأمريكي بسياستها الخارجية، بمعنى أنه لا علاقة له بما يحدث المهم حياته وجودتها صحيا وتعليميا وأمنيا حتى ولو تم توظيف السياسة الخارجية كأحد موارد الدخل القومى الأمريكى، مثل مورد بيع السلاح أو مورد التصدير أو مورد النفط .. الخ، ما يعنى أن التدخل في شـأن دولة أو تعزيز صراع أو حتى دهس الشعارات الديمقراطية يكون من أجلك أيها المواطن، أى لا تشغل بك أيها المواطن كثيرا فحياتك وجودتك أولا ولو بالدم والنار..
وبالعودة للانتخابات الأمريكية على اعتبار أنها محور الحدث الآن ومحل انشغال العالم كله، نقول: إنه لا فرق بين ترامب أو هاريس وفقا لهذه المعادلة، لكن المؤكد أنه مهما كانت هوية الفائز في الانتخابات، فإنه سيواجه سلسلة من الأزمات الدولية المؤجّلة، مثل ملفات مثل أوكرانيا وغزة وإيران والصين.. وأن العالم نحو تعدد الأقطاب ما سيؤثر على هذه المعادلة فى المستقبل.. وها هنا نحن منتظرون