لا نكاد ننتهى من «تريند» تقوده شائعة ضد الدولة المصرية فى الداخل حتى نفيق على آخر يشكك فى دفاع الدولة المصرية عن أمنها القومى، وتريند ثالث يحاول التهوين من الدور التاريخى والاستثنائى لمصر فى القضية الفلسطينية حتى بات «غياب التريند» هو الاستثناء وليس القاعدة.
وفى محاولات العديد من القوى الإقليمية والدولية وأعوانهم من «أهل الشر» فى كسر قوة الدولة المصرية والتقليل من تأثيراتها الإقليمية، تبرز الشائعات كسلاح آخير، فبعد فشل محاولات هدم الدولة المصرية وزعزعة استقرارها عن طريق بعض الاحتجاجات وتحريك الجماهير والضغط الاقتصادى، باتت الشائعات سلاحا جديدا، مستمر التأثير، يسهل صناعته وترويجه، ويمكن إعادة تدويره من وقت لآخر.
وأثناء الأحداث الأخيرة فى غزة، برز هذا السلاح بشكل واضح فى محاولات مستميتة ومستمرة للتقليل من جهود الدولة المصرية والتهوين من دورها الساعى للسلام والاستقرار وحفظ حقوق الشعب الفسلطينى، تارة تحت تريند «غلق معبر رفح» وتارة أخرى تحت شائعات «عرقلة المساعدات الإنسانية»، ولعل آخر تلك الشائعات قضية «السفينة كاثرين»، التى أدعت بعض الصفحات المشبوهة معروفة المصدر بأن ميناء الإسكندرية المصرى يستقبل ويسهل دخول سفينة تحمل أسلحة لإسرائيل فى كذبة «ساذجة» جديدة.
لن أتحدث هنا عن دحض مثل هذه «الأكاذيب» فهى شائعة «عبثية» لا يصدقها إلا «ساذج» أو «مغرض» ولا يروج لها عن قصد إلا «خائن» ولا عن غير قصد إلا «مغيب»، ولكن يعنينى هنا السؤال: لماذا تلك الشائعة فى تلك القضية الآن؟! ولماذا مصر فى كل وقت وآن؟!
الإجابة تحتاج إلى نظرة شاملة للشرق الأوسط والعالم، بينما نتحدث عن تقسيم العراق، وتبعثر الدولة الوطنية فى سوريا، وانقسام داخلى مرير فى لبنان، وتناحر قبلى فى ليبيا وحرب أهلية بالسودان واليمن، فى ظل تبادل الاتهامات ورشقات الصواريخ والمسيرات بين إسرائيل وإيران، لا يتحدث أحد عن مفهوم «الدولة» و«السيادة الوطنية» و«القانون الدولى» و«الاستقرار والسلام» سوى مصر، وهو صوت بات المجتمع الدولى يصم آذانه عن سماعه، بينما صوت طبول الحرب هى الأعلى، وبالتالى لا بد من إسكات هذا الصوت الذى تتزعمه مصر ليس فى الإقليم ولكن على مستوى العالم.
ولكى أخصص إجابتى بشكل دقيق، ليس هناك من يتحدث فى القضية الفلسطينية عن «فلسطين» أو «الشعب الفلسطينى» أو «الحقوق التاريخية» أو «وحدة القرار الفلسطينى» سوى مصر، هذا الصوت لا يعجب قوى إقليمية تتخذ من بعض فصائل المقاومة «سلاحا» لتحقيق أجندتها، ولا يعجب بالتأكيد «إسرائيل» التى تريد جبهة فلسطينية داخلية منقسمة، تستطيع القضاء عليها ومن ثم تهجير الفلسطينيين وتذويب القضية للأبد، والعقبةـ بجانب صمود الشعب الفلسطينى الأعزلـ هى «مصر»، ولذلك لا بد من إضعافها لصالح أطراف النزاع الدولى الأكبر ووكلائهم فى الإقليم.
باختصار، يمكننا القول إن عامود الخيمة هى مصر، وحين فشلت كل المحاولات للضغط عليها بالاحتجاجات وتحريك الجماهير وبالتضييق الاقتصادى وبمحاولات الضغط الدبلوماسى والأمنى، باتت الشائعات هى سلاح اليأس الذى سينكسر أيضا كما انكسرت الأسلحة الأخرى تحت وطأة الدولة المصرية الوطنية، التى فى القلب منها قيادة سياسية محنكة وقوات مسلحة ومؤسسات وطنية وشعب واعٍ متماسك محب لوطنه.