مؤكد أن نتيجة الانتخابات الأمريكية، تعنى فوز الاقتصاد على السياسة، وعلى الديمقراطية، وتعنى فوز بناء الجبهة الداخلية حتى ولو تم بناء جدار عازل أو إعدام المهاجرين غبر النظاميين، وتعنى الانتصار للقيم على الدعوة إلى الانحلال الأخلاقى، وأن الشعوب تريد السلام والاستقرار وليس الصراعات والنزاعات.
لذا، أعتقد، أن نجاح دونالد ترامب كان لقدرته على اقناع الناخب الأمريكى بتغيير أوضاعه الاقتصادية للأحسن، وأنه سيقف بالمرصاد للهجرة غير النظامية، ولاتهامه الدائم لكامالا هاريس بأنها تدعو للانحلال الخلقى بتبنى قضايا الإجهاض ودعم المثلية، وكذلك باللعب على منح العالم بادرة أمل بأنه قادر على تحقيق السلام سواء فى الحرب الروسية الأوكرانية، عندما قال: لو كنت رئيسا لأنهيت هذه الحرب خلال ٢٤ ساعة، وكذلك عندما ذهب للجالية العربية والإسلامية فى ولاية ميشيغان ووعد بنشر السلام فى الشرق الأوسط وإنهاء حرب غزة ولبنان.
وبالتالى من خلال الاقتصاد والسلام نجح ترامب فى حسم الولايات المتأرجحة، وحقق المعادلة الصعبة، ليثبت أن أن الاقتصاد هو الحل السحرى وعامل رئيسى لضم المختلف، بل واقناعه.
غير أن نتيجة الانتخابات الأمريكية أكدت أن الحفاظ على الأمن القومى يأتى من الداخل أولا ، لذلك ترامب رأى أن قوة أمريكا الحقيقية بأن يكون لها اقتصاد قوى ومواطن غنى، وليس كما يريد الديمقراطيون بتوزيع المساعدات والإعانات وزيادة الإنفاق على التحالفات والاتفاقيات الدولية والانفاق على الحروب ، وهذا ما أقنع الناخب الأمريكى حتى ولو تسبب هذا فى فتح ملفات ساخنة مع الحلفاء والأصدقاء والشركاء.
إضافة إلى حدوث سابقة مهمة تزيد من حظوظ ترامب، وهو نجاح الحزب الجمهورى فى السيطرة على مجلس الشيوخ، ما يعطى فرصة ذهبية وتاريخية لتحقيق برنامجه الانتخابى وما وعد به بكل سهولة ومرونة، باعتبار أن القرارات الكبرى فى الولايات المتحدة يأتى فى إطار الثنائية، لأنه لو صدرت من الرئيس فلابد من موافقة الكونجرس ولا اقترحت من الكونجرس لابد من موافقة الرئيس.
وأخيرا.. علينا أن لا نغفل أن الحكم فى الولايات المتحدة يأتى فى إطار استراتيجيتين لتحقيق هدف واحد. وهو الحفاظ على محددات الأمن القومى الأمريكى الذى يدور فى فلكه العالم كله، الأولى، الاستراتيجية القومية للولايات وصاحب القرار فيها يكون دولة المؤسسات أو فيما يسمى بالدولة العميقة، والثانية استراتيجية الإدارة ومن يتحكم فيها من يجلس في البيت الأبيض وهى بمثابة تكتيك لا أكثر، فالهدف واحد والطريقة مختلفة، المهم أيا كانت طريقة من يجلس في البيت الأبيض- جمهورى - ديمقراطي- هو حماية المصالح الأمريكية وتحقيق الأمن القومى الأمريكى، وبالتالى علينا أن لا نعول كثيرا على المواقف الانتخابية والتصريحات الجماهيرية، المهم ما يطبق على أرض الواقع، والذى لا يأتى إلا من خلال الوحدة الوطنية وبناء الذات والاستعداد بالقدرة بكل أنواعها وفى مختلف سياقاتها..