مها عبد القادر

التنمية الحضرية وتحدى المشكلة السكانية.. النموذج المصرى

الأربعاء، 06 نوفمبر 2024 11:30 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

حرى بالذكر أن الزيادة السكانية كمشكلة تعد معوقا من معوقات التنمية الحضرية التى تستهدف الدول النامية على وجه الخصوص؛ فهى بذلك تعتبر محنة وهناك العديد من التحديات والمشكلات السكانية التى يأتى فى مقدمتها التزايد السكانى غير المنضبط الذى يؤثر سلبًا على مخرجات التعليم والمستوى الصحى والمجال الاقتصادى والتنموى، بما يُصعب محاولات الوفاء باحتياجات المجتمع ويحد من نهضته ورقيه وازدهاره.

وثمة ضرورة تجاه أن يستوعب الفرد الواقع السكانى كى يخطط لمستقبله بشكل صحيح، ومن ثم يضع فى حسبانه مفردات هذا الواقع لمجتمعه الذى نشأ فيه من حيث العدد والتشكيل والمساحة والموارد وخريطة التوزيع، واستيعاب ذلك مفاده أن يتنبأ بمستقبله؛ ليتخذ القرار المدروس تجاه تكوين أسرة فى بيئةٍ مجتمعيةٍ مواتيةٍ لتطلعاته، يتوافر فيها مقومات الحياة التى تمكنه من تربية نشءٍ يُساهم فى البناء ولا يُعد عبأً أو عالةً على المجتمع يتلمس المعونة من جهاتٍ رسميةٍ أو غير رسمية، بل يمتلك المهارة التى تفتح له مسارات العمل المتعددة بمجتمعه ليصبح منتجًا مساهمًا فى بناء الدولة.

وتواجه التنمية الحضرية تحدى المشكلة السكانية، وهنا يتوجب على الأسرة أن تعى أهمية امتلاك الثقافة الإنجابية؛ فمن خلالها يستطيع الفرد أن يخطط لحياته الأسرية وفق قناعاتٍ ورؤيةٍ واضحةٍ، يأتى فى مقدمتها توفير متطلبات إقامة حياةٍ زوجيةٍ يتحمل فيها الطرفان المسئولية التى تؤهلهم لرعاية نشءٍ جديدٍ من تربيةٍ وتعليمٍ ومسكنٍ مناسبٍ وملبسٍ ومأكلٍ ومناخ صحيٍ.

والوعى بالثقافة الأسرية يستدعى إدراك أهمية الرعاية الصحية قبل الزوج وبعده وأثناء الحمل وبعده لضمانة سلامة الأسرة وصحة الأطفال؛ بالإضافة للوعى بقضايا ما قبل الزواج من حيث درجة القرابة والأمراض الوراثية والممارسات الصحية السليمة من قبل الطرفين، وأهمية الفحوصات الطبية للمقبلين على الزواج.

كما أن هذا الوعى يرتبط بصورة مباشرة بالتنمية الاقتصادية التى تقوم على موارد بشرية تتمتع بالصحة والمقدرة على العطاء على المستوى البدنى والفكري، ومن ثم تتكون العلاقات الاجتماعية التى تعضد فكرة الترابط والمواطنة فى صورتها الصحيحة؛ حيث إن المجتمعات التى تعانى من تفشى الأمراض بصورها يصعب أن تحدث فى أوطانها التنمية الاقتصادية فى مسارها المستدام.

والتنمية الحضرية تستوجب أن تمتلك الدولة الرؤية المستقبلية للتطوير العمرانى بها، ومن ثم تعمل على تطوير المواصلات ومواجهة التحديات الاقتصادية والسكانية والبيئية التى تحتاج لتنمية المستدامة، ومصر من الدول التى سارعت عبر مجهودات تنموية متواصلة اتبعت خلالها الدولة السياسات التخطيطية كى تواجه به التحديات والمشكلات السكانية المتواترة؛ حيث التزايد السكانى غير المحسوب الذى يتطلب آليات ووسائل إجرائية فى مناشط الحياة المختلفة سواء على مستوى التعليم والصحة والأمن والاقتصاد والإسكان والوظائف، من قبيل الوفاء بالحاجات والتطلعات المجتمعية المستمرة والمتزايدة.

وقد كان هناك تحدى كبير واجه الدولة المصرية تمثل فى انتشار العشوائيات، مما استدعى أن تتخذ القرارات والإجراءات التى قضت على هذه الظاهرة بشكل نهائى من خلال برنامج واضح للتنمية الحضرية عبر مشروعات الدولة القومية العملاقة التى ساهمت فى إيجاد فرص العمل فى ربوع الوطن سواء بالمدن المطورة للنهوض بالمستوى الاجتماعى والاقتصادى للفرد والمجتمع، والحد من مسار الهجرة الداخلية، بالإضافة لإيجاد مجتمعات جديدة تقوم على الإنتاجية التنموية الصناعية منها والزراعية؛ لتصبح مركز لأسواق عمل تفى باحتياجات الوطن من ناحية وتقلل من البطالة وتستثمر الموارد البشرية من ناحية أخرى.

ومصر من الدول التى اتجهت نحو إقامة المدن الذكية والتوسع العمران واستغلال الظهير الصحراوى وتعميره ومده بالخدمات، ومن ثم عزمت بتوجيهات قيادتها الحكيمة على تدشين العديد من مدن الجيل الخامس، وهذه المدن روعى فى تصميمها تدشين طرقٍ ومبانٍ ومساحاتٍ خضراءٍ ومرافقٍ متميزةٍ مدعومةٍ بالأنظمة الرقمية الذكية بما يتوافق مع التنمية الحضرية العالمية، كما قضت الدولة على صور الاختناقات المرورية التى نتجت عن التكدس السكانى من خلال التنمية الحضرية؛ حيث دشنت العديد من الطرق والكبارى والمحاور التى ساهمت فى القضاء على تلك المشكلة.

ورغم ما واجه التنمية الحضرية المصرية من معوقات جراء المشكلة السكانية؛ إلا أن الدولة عزمت بقوة تجاه توفير حياة الحضرية فى صيغتها الجديدة بإيجاد مجتمعات ومدن تقوم على فكرة التنمية المعلوماتية، ومن خلال توظيفها يمكن تقديم كل الخدمات التى يطلبها المواطن من أى مكانٍ وفى أى وقتٍ، وبالطبع يرتبط ذلك بقواعد بياناتٍ عالية الأمان وتطبيقاتٍ رقميةٍ ذات فعاليةٍ، وبدون شكٍ ينعكس ذلك على ما يبديه الفرد من رضًا وشعورٍ بالراحة والانشراح والسعادة والإقبال على الحياة.

فبالرغم من أن المشكلة السكانية والتنمية الحضرية تعتبر واحدة من التحديات الكبيرة التى واجهت الدولة المصرية؛ إلا أنها تمكنت من مواجهتها واستثمارها، من خلال مجموعة من السياسات والإجراءات المدروسة؛ فوجود قوة عاملة وفيرة يعد أكبر استثمار فى كافة المجالات خاصة التربية والتعليم والتدريب والاقتصاد، مما ساهم فى النمو الاقتصادى وتنويع الأسواق والقطاعات الاقتصادية، وتحسين الخدمات العامة والتخطيط الحضرى العمرانى والبنية التحتية والفوقية، والتفكير خارج الصندوق وإيجاد حلول وبدائل تكنولوجية جديدة لمواجهة التحديات، ومواكبة التغيرات التى تواجهها الدولة.

فالزيادة السكانية يمكن أن تكون مشكلة ومحنة بالاستسلام لها، ومنحة للنمو والتطور وفرصة لتحقيق التنمية الحضرية المستدامة، من خلال استغلالها والتعامل معها بذكاء وباستراتيجيات فعالة ورفع مستوى الخصائص الاجتماعية للمصرين؛ فالتحدى يكمن فى كيفية استثمار الموارد البشرية المتاحة بشكل يعود بالنفع على المجتمع، وإتاحة التعليم المستمر المناسب للجميع، وتكافؤ الفرص وتحقيق العدالة والمساواة وتوفير برامج التوعية بكافة الوسائل المرئية والمسموعة، وتحسين مستوى الوعى حول القضايا السكانية، وتوفير برامج تدريبية لتنمية مهارات الشباب لزيادة قدرتهم على المنافسة والريادة فى سوق العمل.

والاهتمام بتحفيز وجذب الاستثمارات فى قطاعات جديدة تدعم النمو الاقتصادى وتوفر فرص العمل المختلفة، وتنمية الوعى نحو أهمية الشراكة فى بناء الوطن؛ حيث باتت الأدوار معلومةً لدى الفرد والمجتمعات التى تنشد التقدم والنهضة والازدهار والتركيز على التنمية المستدامة لضمان استخدام الموارد بشكل فعال دون المساس بحقوق الأجيال الحالية والمستقبلية، والاهتمام بتعضيد النسق القيمى والمواطنة الصالحة المسؤولة التى تؤصل تعم الولاء والانتماء لتراب الوطن الذى نحيا به وفيه كرامًا آمنين مطمئنين، حفظ الله بلادنا، وهيأ لها الصواب والرشاد، ووفق القيادة السياسية لما فيه الخير للبلاد والعباد.

أ.د/ مها عبد القادر أستاذ أصول التربية كلية التربية للبنات بالقاهرة - جامعة الأزهر










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة