مهما كانت فروق القوة والسلاح بين قوات الاحتلال والفلسطينيين، فإن الإبادة التى تتم تضاعف من أزمات المجتمع الإسرائيلى وتثير داخله الخوف والقلق، وفى غزة لم يعد هناك مكان يمكن أن تتواصل فيه الضربات من قبل الاحتلال، بعد هدم المستشفيات والمدارس وقصف المخيمات، من دون أفق لحرب تطول بشكل يتجاوز الانتقام أو تحقيق أهداف غير مزيد من الأطفال والنساء والمدنيين عموما، والدليل على أن الأمر أصبح من دون خطة، فإن نتنياهو يواصل حرب يبدو أنه غير قادر على إيقافها، أو حتى وقف جرائم الحرب، ولو كان تم التأكد من تحقيق أهداف هزيمة حماس، لانتهى الغرض من شن الحرب، لكن من الواضح أن رئيس وزراء الاحتلال ليس لديه أفق أو استراتيجية لنهاية الحرب التى تضاعف من تكاليف الدعم الذى تقدمه الولايات المتحدة، بجانب أن الانتخابات الأمريكية انتهت وهو ما ينهى حالة التردد والابتزاز الذى يمارسه نتنياهو.
نتنياهو يرتكب جرائم حرب، ويمارس حرب إبادة ضد غزة، ويعجز عن تقديم أى بيانات عن تحقيق انتصارات، باستثناء المزيد من الأطفال والشيوخ، وارتفاع كلفة الحرب بجانب العجز عن تحقيق أى أمان للمجتمع الإسرائيلى الذى تتضاعف مخاوفه مع استمرار حرب بلا هدف غير استمرار نتنياهو فى الحكم، بالرغم من فشل تحقيق أى نتيجة، وتحمل الحرب اسم نتنياهو وحده الآن، خاصة أن المعلومات المتاحة تكشف وتؤكد أن نتنياهو هو السبب وراء إفساد صفقات تبادل الرهائن والمحتجزين.
نشرت صحيفة « الجارديان» البريطانية تقريرا ـ نشرته رباب فتحى رئيس القسم الخارجى باليوم السابع ـ تكشف فيه وجود تلاعب من قبل رئيس وزراء الاحتلال، لإفساد الصفقات، وأنه ماطل فى التوصل إلى اتفاق لتجنب الملاحقة فى قضايا الاحتيال والرشوة، وفيما وصف بأنه أكبر فضيحة سياسية للحكومة منذ بدء الحرب فى غزة، قالت «الجارديان» إنه بعد اعتقال عدة أشخاص فيما يتعلق بتسريب مزعوم لوثائق سرية من مكتبه يكشف أنه ربما تلاعب لإفشال صفقة الرهائن، وأن أحد المتهمين بالتسريب المتحدث باسم نتنياهو، حيث تم التلاعب فى وثائق لتصوير حماس وهى تسعى إخراج الرهائن من القطاع، وهو ما لم يكن صحيحا، ومع هذا أدلى نتنياهو بتصريحات أضاف فيها شروطا اضطرت الجانب الآخر للرفض، وهو ما تعمده رئيس وزراء الاحتلال.
ويرى مراقبون أن نتنياهو يخشى فى حال تم وقف الحرب، وتبادل الأسرى والمحتجزين، أن ينهار تحالف حكومته الائتلافية ويغادر موقعه ليكون فى مرمى محاكمات وملاحقة قضائية فى قضايا الاحتيال والرشوة وانتهاك الثقة المرفوعة فى عام 2019، وبالرغم من نفى مكتب نتنياهو للتسريبات أو التحقيقات، فإن كل الوقائع تشير إلى أنه يواصل الحرب ويفسد صفقات وقفها، ويطلق الكثير من الشائعات، ويحاول تحميل حماس مسؤولية إفشال الصفقات، بينما يعجز فى الوقت نفسه عن تحديد أفق للحرب.
بجانب خضوع نتنياهو للمحاكمة فإن الاحتلال يقف أمام محكمة العدل الدولية فى لاهاى، لأول مرة متهما بارتكاب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطينى، وذلك بموجب اتفاقية الأمم المتحدة للإبادة الجماعية، التى تم وضعها بعد الحرب العالمية الثانية فى ضوء الفظائع التى ارتكبت ضد اليهود خلال «الهولوكوست»، المفارقة الثانية فى القضية التى رفعتها جنوب أفريقيا، وتجد دعما وتأييدا من دول كثيرة، يتوقع أن تستمر المحاكمة بجانب المحكمة الجنائية الدولية لتواصل الكشف عن جرائم الحرب ضد الفلسطينيين، وأن هذا الباب يمكن أن يفتح مجالات متعددة لرفع قضايا وتوثيق مستندات ووقائع ضد الاحتلال، ما يعتبر تحولا مهما فى حال استمر فيه الفلسطينيون موحدين وتدخلت معه جهات ومنظمات دولية.
لكل هذا فإن نتنياهو تعمد إفساد صفقات تنتهى بوقف الحرب، بجانب جرائم منع المساعدات وحصار المدنيين فى غزة، وحجم الدمار، وهو ما تدعمه مجتمعات العالم كله، ويمثل خطوة مهمة فى طريق حل الدولتين، والذى تحرص مصر على الدفع نحوه باعتباره الحل الأهم لاستقرار المنطقة.