أنشئت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة و تشغيل اللاجئين الفلسطينيين فى الشرق الأدنى «الأونروا» فى عام 1949 بعد النكبة وإعلان قيام دولة إسرائيل وحددت منظمة الأمم المتحدة مهامها فى تقديم الخدمات الأساسية للاجئين الفلسطينيين مثل الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية والإغاثة بكل أشكالها، وهى تخدم الآن قرابة الستة ملايين لاجئ فلسطينى، مسجلين فى قطاع غزة والضفة الغربية والأردن ولبنان وسوريا.
إن عمر إسرائيل هو نفسه عمر الأونروا، فهما مثل قضيبين القطار يتوازيان ولا يتقاطعان وفوقهما قطار الاحتلال، فى انتظار محطة الحل السياسى وتمكين اللاجئين الفلسطينيين من وطنهم أو حتى جزء منه، حيث تخدم الأونروا الآن الجيل الثالث من اللاجئين «الاحفاد» مما يؤكد أن حالة أبناء فلسطين المنهوبة من حالات اللجوء «المطولة» عبر التاريخ، حيث إنه بموجب القانون الدولى ومبدأ وحدة الأسرة فإن أطفال اللاجئين وأبناءهم من بعدهم يكتسبون نفس الصفة حتى التوصل إلى حل دائم للقضية الفلسطينية، وقد تكون هناك متشابهات بحالة اللجوء المطولة فى بلدان أخرى مثل الصومال وأفغانستان ومالى وغيرهم إلا أن الحالة الفلسطينية تظل الأشد بصمة والأقوى وطأة على مر التاريخ الإنسانى.
إن دور الأونروا «التاريخى» فى القضية الفلسطينية لا يراه سوى متدبر حصيف، فقد ظلت الحبل السرى لقرابة ستة ملايين فلسطينى، ظلوا وقودا للحق الفلسطينى على الأرض المحتلة، كما حافظ اللاجئون خارج الأرض المحتلة على استمرار «صحة وحيوية» تلك القضية بإصرارهم على حق العودة، وساهمت تلك المؤسسة العريقة على تقديم خدمات هامة و مؤثرة لفلسطينيى الأرض، كما أنها أبقت اللاجئين والقضية على قيد الحياة!!
تستطيع أن ترى الأونروا جزءا من مؤامرة على الشعب الفلسطينى لأنها ساعدتهم على ترك أوطانهم واللجوء لبلاد الجوار، ومن غير المستغرب أن ترى ذلك مؤامرة «مقنعة» من الغرب لتفريغ أرض فلسطين من شعبها أمام حقهم فى الحصول على حياه آمنة وتعليم وصحة وخدمات إعاشية، ولكن تظل تلك الهواجس رهنا للنتيجه النهائية لأعمال الأونروا للحكم على مصداقيتها وجدواها، وبالإضافة لأعمالها نستطيع تبين جدواها من استهداف الحكومة المجرمة فى إسرائيل لها، وقد يكون إقرار الكنيست الإسرائيلى منذ أيام قليلة تشريعا يحظر عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فى الأرض المحتلة ردا مقنعا على أن دور الأونروا ظل داعما للفلسطينيين والقضية الفلسطينية وحينما قررت السلطة المجرمة فى إسرائيل تصفية القضية والشعب دمجت ذلك بتصفية الأونروا أيضا!!
زعمت إسرائيل أن موظفى الأونروا شاركوا فى هجوم السابع من أكتوبر، كما زعمت أن العشرات من موظفى الوكالة أعضاء فى تنظيم حماس، وأمام تلك المزاعم قتل حوالى 223 شخصا من موظفيها وتكبدت خسائر فادحة حيث دمر ثلث مرافقها منذ اندلاع الحرب فى غزة وفقا لوكالة فرنس برس.
قرأت مصر الرشيدة خبث الهجوم الإسرائيلى على الأونروا وأدانت بأشد العبارات انسحاب إسرائيل من الاتفاق المنظم لعمليات الوكالة، مما يوقف عمل الأونروا فى قطاع غزة والضفة وللاجئين خارج فلسطين أيضا، واعتبرت مصر أن هذا القرار يعد انتهاكا إسرائيليا صارخا للقانون الدولى ويشكل تطورا خطيرا تستهدف منه إسرائيل «تصفية القضية الفلسطينية»، هكذا كان رأى قيادة مصر الحكيمة التى التقطت خيط تصفية القضية فى تصفية الأونروا والتى تعد «حبلا سريا» للعمل الإنسانى والخدمات الحيوية التى تقدم الى الفلسطينيين لإبقائهم على قيد الحياة وقيد القضية!
إن غياب الأونروا يعنى غياب ما يزيد على المليار ونصف المليار دولار تجمعها الوكالة لغوث اللاجئين وتقديم الخدمات الإغاثية بشكل منظم ومقنن ويحظى بالشرعية الدولية والتعاطف الانسانى الدولى، من يتحمل غياب تلك الخدمات والمساندات ومن سيدفع التكلفة السياسية لغياب المعونات والمساندة والدعم لهذا الشعب المكلوم والموزع على عدد من دول الجوار العربى ويعتمد بشكل أو بآخر على تلك المساعدات، وغيابها قد يدفعه للثورة أو لقيام فصائل أخرى من المسلحين الذين فقدوا المأوى والغذاء والإعاشة لهم ولأسرهم، كما أن الدول التى تستضيف اللاجئين الفلسطينيين هى الأخرى مرشحة لدفع تكلفة سياسية لفرض غياب الأونروا ومساعداتها.
إن محاور تصفية القضية الفلسطينية والتى تعمل عليها دولة الاحتلال ليل نهار تتشابك خططها وتتضح باستهداف الأرض والشعب والإغاثة، لكن الأمل كبير فى مصر وباقى دول الجوار العربى التى تفهم تماما المخطط المجنون الشرس لتلك الحكومة الإسرائيلية مصاصة الدماء التى أجرمت وتجرم كل يوم بدون رادع دولى أو إنسانى أو أممى أو قانونى، لقد خرجت على كل النواميس والأعراف، ولكن أمد الباطل قصير وإن طال.
إن إغاثة و كالة الإغاثة الدولية أصبحت واجبا على الأمه العربية وكل دول العالم الحر، فمن أدبيات العمل فى الكوارث والأزمات أن تظل تلك المؤسسات محررة من الصبغة السياسية والاستهداف السياسى وإلا لن نرى الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر ومؤسسات الإغاثة الدولية التى تهرع لنجدة البشر فى كل مكان على الارض، إن تحدى التشبث باستمرار وجود الأونروا هو الجرس فى رقبة القطة المتمثلة فى كل دول العالم المتحضر التى تتباهى بإنسانيتها المزعومة.
ثم إن كل محاولات دك الحق الفلسطينى فى الأرض وردمه وسط الركام لن تفلح، فالقضية الفلسطينية لن تموت وإن استشهد الأبطال، فعشرات الآلاف من الشعب الصابر الأعزل، لن تضع القضية الفلسطينية قربانا للإجرام الاسرائيلى، فتلك الأرض ستظل خصبة وإن مات كل الأخضر عليها.