بينما تزداد الأزمات الجيوسياسية حدة في المنطقة، كان الاقتصاد المصري نموذجًا للصمود والتكيف، حيث ساهمت استراتيجياته المرنة في مواجهة التحديات وحماية المكتسبات الاقتصادية. وبرغم هذه التحديات، قامت مؤسسات التصنيف العالمية، مثل Fitch Solutions، بتحسين التصنيف الائتماني لمصر من B- إلى B مع نظرة مستقرة، مما يعكس الثقة في استقرار الاقتصاد المصري وقدرته على مواجهة الأزمات الحالية
ويُظهر احتياطي النقد الأجنبي استقرارًا كبيرًا، حيث وصل إلى 35.3 مليار دولار في أكتوبر 2024، بزيادة قدرها 1.8 مليار دولار عن مستواه في نفس الشهر من العام السابق الذي بلغ 33.5 مليار دولار، أي بارتفاع يعادل 5.4%. هذا يعكس ثبات الاقتصاد في توفير العملة الصعبة رغم الضغوط، مما يعزز قدرة الدولة على تغطية الواردات الأساسية لمدة تتجاوز 5.5 شهور، مقابل 5 شهور فقط في العام الماضي.
فيما يتعلق بالصادرات، نجحت مصر في تسجيل نمو ملحوظ بصادرات الغاز الطبيعي بزيادة 13% في النصف الثاني من 2024 مقارنةً بنفس الفترة في 2023. هذا الارتفاع يُعادل حوالي 800 مليون دولار، ليصل إجمالي صادرات الغاز إلى 6.8 مليار دولار، مقارنةً بـ6 مليارات دولار في العام الماضي، مما يوضح مدى قدرة الاقتصاد المصري على تعزيز موارده من العملة الصعبة.
وعلى صعيد التضخم، حققت مصر انخفاضًا نسبيًا في معدل التضخم السنوي ليصل إلى 31.4% في أكتوبر 2024، مقارنةً بـ34.8% في نفس الفترة من 2023، وهو انخفاض بنسبة 9.8% عن المعدل السابق. هذا الانخفاض يعكس نجاح السياسات النقدية التي اتخذها البنك المركزي، حيث تم رفع سعر الفائدة بمعدلات مدروسة تهدف إلى كبح جماح التضخم، خاصةً التضخم المستورد الذي أضر بالعديد من الاقتصادات الناشئة الأخرى. هذه الاستراتيجية ساعدت في تقليل الأعباء على المواطن المصري في ظل ارتفاع الأسعار عالميًا.
بالنسبة للاستثمارات الأجنبية، تمكنت مصر من جذب استثمارات مباشرة بقيمة 9.2 مليار دولار حتى الربع الثالث من 2024، بزيادة قدرها 1.3 مليار دولار عن نفس الفترة من العام السابق (حوالي 7.9 مليار دولار في 2023)، ما يُعادل نموًا بنسبة 16.5%. يأتي هذا الارتفاع بفضل حزم الحوافز الاستثمارية التي أطلقتها الحكومة لتسهيل دخول الشركات الأجنبية، خاصةً في قطاعات الصناعة والطاقة المتجددة، مما يعكس ثقة المستثمرين في استقرار الاقتصاد المصري.
أما التحول الرقمي، فقد شهدت مصر قفزة نوعية في اعتماد المواطنين على الخدمات المالية الإلكترونية، حيث زادت نسبة استخدام هذه الخدمات بنسبة 45% خلال 2024 مقارنةً بزيادة قدرها 30% في 2023. هذا النمو يعزز من كفاءة الاقتصاد ويقلل التكاليف التشغيلية، ما يدعم تعزيز الشفافية ويقلل من التدخلات غير الرسمية في العمليات المالية، مما يسهم في دعم الاقتصاد المصري في ظل الظروف الحالية.
وبناءً على ما سبق، ورغم التعقيدات الجيوسياسية التي تضغط على المنطقة بشكل عام ومصر بشكل خاص، يظل الاقتصاد المصري مثالًا للصمود والتحسن التدريجي بفضل السياسات المرنة التي توازن بين احتياجات السوق المحلي ومتطلبات الاستقرار المالي، مع استمرار النمو في قطاعات رئيسية تساهم في دعم العملة الصعبة وتوفير الاستقرار المالي المطلوب للتنمية المستدامة.