ليس من المروءة والأخلاق الإسلامية التى تتدثر بعباءتها التنظيمات والجماعات والفصائل والميليشيات، من عينة داعش والإخوان وهيئة تحرير الشام - النصرة سابقا - وغيرها من التنظيمات، أن تصمت ولا تنبس بحرف من كلمة مقاومة ونصرة للأشقاء فى غزة، وهم يُبادون على يد الكيان المحتل، ثم توظف وتستثمر الأحداث العاتية فى المنطقة، لتعيد الكَرّة من جديد فى سوريا والجنوب اللبنانى، وكأنها لعبة مدبرة من لاعبين أصحاب خبرات، ومعلومين بالضرورة، يحاربون بالإنابة لتدمير الدول العربية الفاعلة فى المنطقة، ويتركون أعداء الأمة ينعمون بالأمن والأمان والاستقرار والازدهار!
كانت التنظيمات والميليشيات المسلحة فى سوريا قد اختفت منذ 4 سنوات، وتحديدا فى 2020 واكتفت بالبقاء فى أقصى الشمال السورى، وظلت كامنة ومتقوقعة حول نفسها، وفى أكتوبر 2023 شنت إسرائيل حرب إبادة فى غزة ردا على ما يسمى اصطلاحا «طوفان الأقصى» والذى نفذته حماس وأتباعها دون ترتيب مسبق مع أحد، أو تقديرات موقف، وعلى مدار أكثر من عام من المجازر والجرائم ضد الإنسانية التى ترتكبها حكومة بنيامين نتنياهو ضد الفلسطينيين، لم نسمع صوتا واحدا من هذه التنظيمات والجماعات والميليشيات المسلحة، وكأنها تشاهد مناظر الدماء والأشلاء والتهجير القسرى، باستمتاع، طالما أن العدو إسرائيل، ولا تعنيها فلسطين أو الأماكن المقدسة، وأن كل ما يعنيها تدمير وحرق الشعوب العربية الفاعلة، وقتل المصلين فى المساجد!
وفجأة، وبعد ساعات قليلة من قبول إسرائيل وقف إطلاق النار فى لبنان، فوجئنا بتحركات الميليشيات المسلحة بأعداد كبيرة وأسلحة متطورة وحديثة، لتقاتل الجيش السورى، وترفع شعار «ردع العدوان»، ودخول حلب للقضاء - كما تزعم - على بقايا حزب الله وأذرع إيران، وخاضت معركة حامية الوطيس مع الجيش السورى، الأمر هنا لا يحتاج لعباقرة التحليل السياسى والاستراتيجى، للتأكيد على أن هناك ربطا واضحا بين قرار وقف إطلاق النار فى جنوب لبنان، وما بين تحركات الميليشيات المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام - جبهة النصرة سابقا - تجاه حلب، أهم ثانى مدن سوريا، وإعلان تحريرها من أتباع حزب الله، وأذرع إيران!
العجيب أن قيادات هيئة تحرير الشام، ومن خلفها المتعاطفون معها من الدواعش وجماعة الإخوان وتنظيم القاعدة، أعلنوا عبر صفحاتهم الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعى فيما يعد رأيا موحدا عن ما نصه: «انتهت الحرب فى لبنان وبدأت فى سوريا وسيحرر الثوار، حلب، خلال ساعات إن شاء الله، ولقد انهارت جميع مقاومات الجيش السورى فى ريف حلب الغربى والجنوبى، وتجاوز الثوار خان العسل باتجاه حلب، وهنا ستبدأ مرحلة ثانية من الصراع يتبادل أعداء الأمس الأدوار، ويصبحون حلفاء ضد أهل سوريا، نصيحتى لجميع المجاهدين فى سوريا، وحدوا راياتكم واقبلوا بعضكم البعض».
هذا «المنشور» الذى انتشر على كل وسائل التواصل الاجتماعى، بمختلف مشاربها يعد «سكريبت» مشفرا يحمل رسائل واضحة، هذا من ناحية، لكن من ناحية ثانية ومن خلال تحليل مضمون «المنشور» تكتشف عبارات غاية فى الأهمية مثل: «انتهت الحرب فى لبنان وبدأت فى سوريا وسيحرر الثوار، حلب» ونسأل ما علاقة هذه الميليشيات المسلحة الهدامة بحرب إسرائيل على جنوب لبنان ودحر حزب الله؟ وهل كانت تشارك مع الجيش الإسرائيلى؟ وإذا رأى بعض الخبراء الاستراتيجيين، أن الميليشيات المسلحة من داعش وهيئة تحرير الشام والقاعدة والجناح المسلح لجماعة الإخوان، يتبعون نهج «عدو عدوى صديق» وكون أن هذه الميليشيات تحمل عداء لحزب الله، فإنها تدعم وتبتهج لانتصارات إسرائيل فى الجنوب اللبنانى وقطع أذرع وتكسير عظام حزب الله! وهو التحليل أو التفسير المنطقى ودون مواربة لـ«المنشور» المشفر!
الحقيقة أنه ومنذ ظهور هذه الميليشيات فى الأوطان العربية، ولا يوجد سوى سؤال وحيد: «لماذا تفتقد هذه التنظيمات البوصلة، ولا تجيد قراءة الاتجاهات؟» فبدلا من توجيه البوصلة ناحية غزة، توجهها ناحية الجيوش الوطنية فى البلاد العربية، وكأن نضالها اقتصر فقط على بلاد الإسلام، بينما المسلمون فى غزة ولبنان يُبادون، دون أن يهتز رمش واحد من عين أى عضو من أعضاء هذه الميلشيات، ألما ووجعا!
ولنعترف وننتبه، أن ما يحدث فى سوريا ليس بمعزل عما يدبر للمنطقة، وتحديدا بعد إعلان بنيامين نتنياهو، أن إسرائيل تعمل على «تغيير الواقع الاستراتيجى فى الشرق الأوسط»، كما أن التاريخ والجغرافيا يؤكدان أن دمشق بوابة مهمة من بوابات الأمن القومى المصرى بشكل عام، والعربى بشكل خاص، وهى حقيقة راسخة وضاربة بجذورها فى أعماق التاريخ، أدركها المصريون «الفراعنة» مبكرا، فكانت الشام جميعها ضمن الإمبراطورية المصرية، فى مراحلها المختلفة، خاصة فى عصر الأسرة الـ18 بقيادة الملك تحتمس الثالث، ومن ثم فإن على المصريين جميعا إدراك حقيقة المخاطر المحدقة التى تهدد الوطن، تستوجب يقظة والتفافا كبيرين حول الجيش المصرى، الوحيد المتماسك.
لا بد من رفع منسوب الوعى لإدراك المخاطر «التسونامية» التى تحاصر بلادنا، وتحتاج دعما مطلقا والتفافا حقيقيا، فنحن قد ذقنا من ويلات الإرهاب الأسود!