تعتبر مشكلة المعلومات المغلوطة وانتشار الشائعات واحدة من أخطر المشكلات التى تواجه المجتمع حاليا، حيث تميزت العقود الأخيرة بالتحولات التقنية السريعة، التى غيرت طرق تفاعل الناس وتواصلهم وسبل حصولهم على المعلومات فى كل أرجاء العالم، وأصبح الناس الآن يمتلكون المعرفة البشرية فى أجهزة يحملونها فى كفوفهم، ما يعنى سرعة تردد الأخبار والمعلومات فى كل بقاع العالم فى ثوانٍ قليلة معدودة.
وكان لهذه التحولات الجوهرية كذلك عواقب بدأنا فى مواجهتها، بما فى ذلك المعدل المتسارع لانتشار المعلومات المغلوطة والتضليل الإعلامى.
وهناك فارق بين نشر المعلومات المغلوطة فهو الانتشار العرضى للمعلومات المغلوطة أو المعلومات غير الدقيقة، أما "التضليل الإعلامى" فهو السعى إلى نشر معلومات مغلوطة قصدا إلى الخديعة وإلحاق ضرر، وقد ترتكبه جهة لممارسة التضليل الإعلامى، الذى يمكن أن يؤثر فى السياسات العامة، ويضخم التوترات.
وربما لا يكفى تعريف واحد للتضليل الإعلامى لتعدد السياقات واختلافها التى ربما نشأت عنها مخاوف من التضليل الإعلامى، فهى معلومات مغلوطة ومعلومات مُضللة وربما سمِعت هذه المصطلحات فى الماضى، وتساءلت عما إذا كانت تختلف فى المعنى وكيف ذلك .
وتعد المعلومات المغلوطة هى أى نوع من المعلومات الخاطئة التى قد يقع الناس فيها، فهى شىء يُمكن إثبات أنه غير صحيح أو مُضلل غير أنه لم يتم إنشاؤه أو مشاركته بقصد خداع الناس، وعلى الجانب الآخر، يتم إنشاء المعلومات المُضللة ونشرها من أجل التضليل والوصول إلى هدف مُعين.
وبالنهاية، قد تكون المعلومات المغلوطة أو المُضللة ضارّة، الأمر لا يَقتصر على تصديق الناس للمعلومات غير الصحيحة، ولكن المعلومات الخاطئة تُكلف الاقتصاد العالمى الكثير من الخسائر، حيث إن الأخبار الكاذبة تنتشر بشكل أسرع وأعمق وأوسع من الأخبار الصحيحة.
وللأسف سهّلت سيطرة وسائل التواصل الاجتماعى والمحتوى غير الهادف من عملية انتشار التضليل والأكاذيب والتلاعب بالعقول وبناء وعى جمعى مزيف فى بعض الأحيان. ومن القصص الإخبارية الملفقة إلى الإحصائيات المضللة، يمكن لسيل جارف من المعلومات المضللة أن يؤثر على استقرار المجتمعات ويثير القلاقل السياسية التى قد تؤدى إلى الذعر فى بعض الأحيان وإلى عمليات الاستقطاب فى الكثير من المجتمعات، فهناك ما يمكن وصفه الإمكانية التدميرية للمعلومات المضللة وقدرتها على تفكيك الوعى وتسطيحه.
وأمام كل هذه الحقائق التى لم تعد خافية على أحد يبرز دور الوعى الإعلامى الحقيقى المعتمد على المبادئ العلمية والتفكير النقدى باعتباره الحل الأمثل لهذه المشكلة المتفشية حيث تستطيع المعرفة العلمية مساعدة الأفراد فى تمييز المعلومات الموثوقة من الادعاءات الزائفة، وتقييم صحة أى معلومة تصلهم عبر وسائل التواصل الاجتماعى بشكل خاص.
ويمكن القول إن الجميع اليوم فى أمس الحاجة إلى تعلم المبادئ البسيطة لعلم المنطق الإعلامى وهو ما يتم تدريسه حاليا فى العديد من المؤسسات التعليمية تحت مسمى مقررات التربية الإعلامية والرقمية، حتى نستطيع جميعا تحليل الحجج وتحديد المغالطات المنطقية، وتقييم مدى موثوقية المصادر، وكل هذه المهارات ضرورية خلال هذه الثورة المعلوماتية التى تزداد ضراوة كل يوم.
إن المجتمعات التى تستطيع إعمال المنطق الإعلامى من خلال عملية فرز الكم الهائل المتدفق من المعلومات اليومية تزداد قوة وقدرة على التغلب على التحديات اليومية والأزمات الكبرى. كما يستطيع مثل هذا المجتمع الذى يستند على المنطق أن يصنع قراره بناء على أدلة علمية، وهذا يضمن له سياسات مستنيرة وممارسات أكثر قوة.
وهذا مطلب أساسى لهذه الأجيال التى تلقت تعليما متقدما فى أرقى الجامعات ومارست أعمالا لا تستقيم دون التفكير النقدى ودون الاتكاء على المنطق فى اتخاذ القرارات. ومن المقلق جدا أن تترك هذه الأجيال المتعلمة هذا النوع من التفكير وتنخدع بالتضليل الإعلامى الذى يأخذ مساحة لا بأس بها فى وسائل التواصل الاجتماعى وبعض وسائل الإعلام التقليدية فالمتعلم الممسك بمهارات التفكير النقدى أكثر استعدادا لتحدى المعلومات الخاطئة والمساهمة فى كشفها وحماية المجتمع منها.
وتحتاج المعلومات المضللة التى تجتاح مجتمعاتنا إلى استجابة مجتمعية قوية تركز على الثقافة العلمية والتفكير النقدي، ومن خلال إعطاء الأولوية لهذه المهارات، ليمكن بناء مجتمعات قوية قادرة على التغلب على تعقيدات العالم الحديث، ومن الضرورى أن تدرك المؤسسات التعليمية وصناع السياسات على حد سواء أهمية تعزيز ثقافة الاستقصاء والشك واتخاذ القرارات القائمة على الأدلة فمكافحة التضليل الإعلامى هو مسئولية مشتركة مع تفاقم التضليل الإعلامى وتعاظم آثاره القاسية على الحياة فبات التصدى له مسؤولية مشتركة يقع عاتقها على الجميع دون استثناء، وضرورة التوحد والتكاتف فى مكافحة التضليل الإعلامى امام تزايد محاولات إرساء أسس الأكاذيب والمعلومات المضللة فى العالم عوضًا عن الحقيقة، حبث أن هذا التضليل بات يشكل تهديدات خطيرة من جميع الأبعاد على الأفراد والمجتمعات وعلى الاستقرار العالمى وأمنه.
وذلك من خلال أن الشائعات ليست مجرد كلمات عابرة أو أخبار مغلوطة، بل هى سهم مسموم يصيب القلوب والعقول، ويدمر النسيج الاجتماعي؛ فخطرها يكمن فى أنها تُزرع بسهولة ولكن أثرها يستمر طويلًا، وربما يدمر ما بُنى فى سنوات، كما انها قد تكون أداة للحروب، مع خطورة تداول الأخبار الزائفة عبر وسائل التواصل الاجتماعى دون التحقق من صحتها.
وفى إطار هذه المسئولية المجتمعية المشتركة انطلقت مؤخرا مبادرة شبابية إعلامية تحت اسم "بالعقل_كده" وهى حملة إعلامية تدعو لمواجهة المعلومات المضللة عبر الإعلام الرقمى بعد أن أصبحت المعلومات الخاطئة والمضللة عبر مواقع التواصل الاجتماعى إحدى الأدوات لتدمير المجتمعات وتزييف عقول الأفراد، الأمر الذى يساهم فى تشكيل أجيال جديدة من الشباب لديها عدد من المفاهيم المغلوطة تجاه الموضوعات والقضايا المختلفة.
والحملة أطلقتها "المنظمة العربية للحوار" وهى إحدى منظمات المجتمع المدنى بالتعاون مع عدد من الجهات الحكومية وغير الحكومية وتستهدف مكافحة انتشار المعلومات الخاطئة والمعلومات المضللة بين الشباب فى مصر وعدد من الدول فى منطقة البحر الأبيض المتوسط.
وتضع الحملة مجموعة من الأهداف، يأتى فى مقدمتها زيادة الوعى العام بأهداف التنمية المستدامة، فى ضوء انتشار المعلومات الخاطئة والمغلوطة حول تلك الأهداف ونقص المعلومات عنها، مع تسليط الضوء على تمكين الفئات الضعيفة والتعبير عن أفكارهم فى إطار أهداف التنمية المستدامة التى تعزز المساواة بين الأفراد، وتسعى إلى منح الفرصة لكافة الفئات للحضور والتعبير عن أصواتهم.
وقدمت هذه الحملة مساحة مهمة لمكافحة المعلومات الخاطئة والمضللة وتصحيح المفاهيم، من خلال إتاحة المجال لكل فئات المجتمع للتعبير عن أفكارهم ووجهات نظرهم تجاه الأفكار الصحيحة لأهداف التنمية المستدامة وفهم اية معلومات غير دقيقة أو مغلوطة عن تلك الأهداف الانمائية من شأنها التأثير سلبا على التماسك المجتمعى خاصة فى ضوء رؤية مصر 2030.
وتسعى هذه المبادرة الى حث الشباب الى التفكير بعقلانية ورؤية نقدية فى المحتوى الذى يتعرضون له فى وسائل التواصل الاجتماعى وصفة خاصة ما يرتبط منها من اهداف التنمية المستدامة ، ومن إيجابيات هذه المبادرة الشبابية أيضا إنها تقوم على تعليم الشباب كيفية الرد الإعلامى الواعى والصحيح على هذه المعلومات المغلوطة بطريقة احترافية وعلمية منهجية بحيث يستطيع الشباب أن يقدموا المحتوى الصحيح لمواجهة الشائعات التى قد تدمر النسيج الإجتماعى فخطرها يكمن فى أنها تُزرع بسهولة ولكن أثرها يستمر طويلًا.
وهنا تأتى الدعوة مجددا إلى ضرورة التكاتف المجتمعى من كافة المؤسسات كل فى مجاله لتحمل مسئوليته تجاه مواجهة التزييف الإعلامى والأخبار الزائفة والمعلومات المغلوطة والتركيز على فئة الشباب فى المجتمع باعتبارهم الأكثر استخداماً لمواقع التواصل الاجتماعى من جهة من منطلق أن الشباب هم أمل الأمة وقادة المستقبل الأفضل الذى نتمناه للوطن الغالى.