في حضرة الشيخ ياسين التهامي، تصمت الحناجر وتنطق القلوب، ويتحول الصوت إلى نور ينساب في أروقة الأرواح، ليس مجرد منشد، بل هو جسر بين الأرض والسماء، بين الكلمات والألحان، وبين المحبة التي تسكن النفوس والعشق الإلهي الذي يسمو بها.
في كل مجلس يقيمه، يبدو الشيخ التهامي كأنه عارف بحقائق الحياة، يطوف بنا بين أبيات الحلاج وابن الفارض، ويعيد تعريفنا بالوجد والسير نحو المعنى، بصوته الذي يشبه ترنيمة قديمة، يأخذك من عالمك المزدحم إلى فضاء من السكينة، حيث تصبح الموسيقى وسيلة للتقرب من الله، والكلمات أشرعة تحملك نحو ضفاف الروح.
نشأ التهامي في بيئة صعيدية تأصلت فيها الصوفية كمنهج حياة، فارتوى من ينابيع المحبة الإلهية وشرب من كؤوس التراث الديني، منذ نعومة أظفاره، كان صوته يحمل نبرة مختلفة، وكأنه مصمم ليصبح الرفيق الحميم لكل قلب يشتاق إلى الطمأنينة، بدأ رحلته بين ساحات الذكر والمجالس الروحانية، ليصبح صوتًا يحمل في طياته عبق الماضي وتأملات الحاضر.
لكن سر التهامي ليس فقط في صوته، بل في حضوره، يقف وسط الجمهور، بثوبه الأبيض وعمامته التي تضفي عليه هيبة المحب، فتشعر وكأنك أمام شخصية خرجت من قصيدة صوفية لتعيش بيننا، بيديه المرفوعتين وملامح وجهه التي تحمل قسمات السكون، ينساب صوته كأنه يهمس للسماء، وكأن الحروف تتحول تحت أنفاسه إلى جسر بين الخلق والخالق.
ياسين التهامي لا يقدم فنًا فقط، بل يفتح أبوابًا إلى عوالم من الروحانية، كلماته ليست مجرد أبيات مغناة، بل هي رسائل محبة وحكمة، تغزلها مشاعر العشق الصافي لله ولرسوله، عندما يقول: "إنما الحب مكيال لمن صبروا... وليس كلُ الذي يُهوى يُنالُ"، و"أكاد من فرط الجمال أذوب"، تشعر وكأن الزمن توقف ليستمع معه إلى هذا البوح.
رغم تطورات الزمن وتغير الأذواق، يبقى الشيخ التهامي صوتًا خالدًا، يذكرنا بأن الموسيقى ليست فقط إيقاعًا، بل وسيلة للسمو فوق كل ما هو مادي، في كل مرة يغني، كأنه يضعنا أمام مرآة النفس، لنرى بوضوح ما يخفيه زحام الحياة.
الشيخ ياسين التهامي ليس مجرد منشد، بل هو رحلة روح تمشي بيننا، تنقلنا من صخب الأرض إلى سكون السماء، صوت التهامي سيبقى يردد ألحانًا لا تشيخ، ويهمس للقلوب بكلمات لا تُنسى.