في عالم الفن، هناك نجوم تُضيء الساحة بأعمالهم فقط، وهناك من يُشعلون القلوب بنبض إنسانيتهم وعمق تجاربهم، ومن بين هؤلاء يتلألأ اسم الفنان القدير نبيل الحلفاوي، الرجل الذي جسّد معنى الفن الرفيع وعبّر عن قضايا الإنسان بحسّ المبدع وحكمة المثقف.
نبيل الحلفاوي، أو كما يحلو لعشاقه أن يطلقوا عليه "قائد المشهد"، ليس مجرد ممثل يُتقن أدواره، بل حالة فنية نادرة تتسلل إلى روح المشاهد دون استئذان.
بخطى واثقة دخل الحلفاوي إلى عالم الفن في سبعينيات القرن الماضي، لكنه لم يسلك الطريق المزدحم بالأضواء الزائفة، بل اختار المسار الأصعب: تقديم فن يحمل رسالة وقيمة.
أدواره أشبه بلوحات فنية ناطقة، تأخذك من حيرة "رأفت الهجان" إلى صرامة القائد العسكري في "الطريق إلى إيلات"، ومن الحنان الأبوي إلى الحسم الوطني، كأنه ينحت الشخصيات على ملامحه لتصبح جزءًا من ذاكرته وذاكرتنا.
بملامحه الحادة ونبراته الواثقة، كان الحلفاوي يجسد الرجل الذي يحمل هموم وطنه على كتفيه، دون أن يغفل عن هموم الإنسان البسيط في زوايا الحياة اليومية.
ورغم براعته الفنية التي لا يختلف عليها اثنان، إلا أن الحلفاوي لم يكتفِ بكونه نجم الشاشة؛ فقد تحوّل عبر السنوات إلى أيقونة للتفاعل المجتمعي، من خلال منشوراته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كشف عن جانب آخر من شخصيته: الكاتب والمثقف الذي يقرأ الواقع بعين ثاقبة، والإنسان الذي يحمل على عاتقه هموم الوطن وشجونه.
في عالمٍ يُغرقنا بالزيف، ظل نبيل الحلفاوي نسيجًا متفرّدًا، يتحدث عن الفن كرسالة لا كصناعة، وعن الموهبة كعهد بين الفنان وجمهوره، حتى حين كان يبتعد عن الأضواء، كان يظل حاضرًا في قلوب محبيه، كأن حضوره لا يُقاس بالمشهد، بل بما يتركه من أثر لا يُمحى.
أما على المستوى الإنساني، فقد كان الحلفاوي نموذجًا للفنان المثقف الواعي، يكتب بحبٍ عن وطنه، يتفاعل مع قضايا شعبه، ويتناول الأحداث بروح الأب الذي يحرص على تقديم النصيحة دون ادعاء.
نبيل الحلفاوي ليس مجرد فنان، بل مدرسة في الالتزام والإبداع، هو ذلك الجسر الذي يربط بين الفن والأصالة، وبين الإبداع والمسؤولية، في كل مرة يظهر فيها على الشاشة أو يكتب فكرة عبر كلماته، يذكّرنا بأن الفن الحقيقي ليس مجرد صورة عابرة، بل إرث يبقى حيًا في ضمائرنا وذاكرتنا.