قولا واحدا ودون تزييف أو تزويق، فإن نتائج ما يطلق عليه طوفان الأقصى فى 7 أكتوبر 2023 وهى العملية المسلحة التى نفذتها ما تطلق على أنفسها، حركات المقاومة، فى غلاف غزة، وكبدت إسرائيل خسائر قوية، وطعنة فى العمود الفقرى لكبرياء تل أبيب، وصدمة عنيفة لكل المكون الإسرائيلى، كانت نتائجها مفزعة ومدمرة على الفلسطينيين، والقضية برمتها، كما هزت الأمن القومى العربى بعنف، ضخمت من الكيان الصهيونى، ومنحته الفرصة للحصول على دعم أمريكى وأوروبى قوى، ما أعطى نتنياهو قبلة الحياة، واستعرض عضلاته أمام شعبه، وبدأ يتخلص من أوجاعه السياسية المؤلمة تأسيسا على اتهامات بالفساد طالته وأسرته.
بنيامين نتنياهو، استطاع أن يوظف أحداث 7 أكتوبر، ويستثمرها لصالحه، من خلال سلسلة العزف على أوتار قلوب ومشاعر فصيله المتشددين، وزاد من طموحه فى تدشين لقب زعيم تاريخى الباحث عن إحياء مشروع «إسرائيل الكبرى» وبدأ عمليا فى اتخاذ التدابير اللازمة لذلك، بدأها بحرب الإبادة لغزة، ثم وسعها إلى الجنوب اللبنانى، والآن يعبث فى سوريا، ويخطط لتنفيذ مشروع داود لمحاصرة الحدود العراقية، ويمتد من النهر للبحر، وهى كلها مخططات ترسم مستقبل بنيامين نتنياهو السياسى.
ونعود بالذاكرة لأحداث 11 سبتمبر 2001 وهى العملية التى هزت كرامة الولايات المتحدة الأمريكية، وجرحت كبرياءها جرحا عميقا ما زال ينزف، لذلك كان ردها عنيفا وقاسيا، فقد وصفته الخارجية الأمريكية حينها بأسوأ هجوم ضد الوطن فى التاريخ، وهو حادث اصطدام طائرتين ببرجى مركز التجارة العالمى فى نيويورك، بينما اصطدمت طائرة ثالثة بالبنتاجون فى واشنطن، فى حين تحطمت طائرة أخرى فى ولاية بنسلفانيا، وهو ما أسفر عن مقتل 3 آلاف شخص وإصابة أكثر من 6 آلاف آخرين.
بالنظر لنتائج 11 سبتمبر، فقد تسببت فى اندلاع حربين، فى العراق وأفغانستان أدتا بدورهما إلى مقتل قرابة نصف مليون مدنى، ودمرت الدولتين وفككت الجيش العراقى القوى، وتسببت فى تصدع كبير للأمن القومى العربى، وكانت مقدمة لمشروع تفتيت الشرق الأوسط، وزرع ميليشيات إرهابية مسلحة، تهدد استقرار الدول وتنال من أمنها!
ولا يمكن أن نكون متجاوزين أو متعسفين فى التحليل والربط بين نتائج 11 سبتمبر، وما يعرف اصطلاحا بثورات الربيع العربى، وهى العاصفة التى كانت تهدف إلى إسقاط الدول العربية، وإعادة تقسيمها إلى كانتونات لا تسمن ولا تغنى من جوع، بينما كان كل الدعم يقدم لإسرائيل، والحفاظ على أمنها واستقرارها، ولكن نستشهد بالربط بين الحدثين 7 أكتوبر 2023 وهى العملية التى هشمت كبرياء إسرائيل، و11 سبتمبر 2001 والتى نالت من كرامة أكبر قوة على سطح الأرض، الولايات المتحدة الأمريكية، من خلال ما جاء على لسان، وزير الخارجية الأمريكى الحالى، أنتونى بلينكن، والذى قال: «إذا نظرت إلى هجمات أكتوبر بالنسبة إلى حجم سكان إسرائيل فإن هذا يعادل 10 هجمات من 11 سبتمبر».
إسرائيل استقبلت تصريحات بلينكن، بشكل مختلف، وكأن لسان حال حكومتها يقول: «طوفان الأقصى» لا بد أن يتحول إلى 11 سبتمبر جديدة لخلق المبرر السياسى والأخلاقى، لإسرائيل والولايات المتحدة وبعض الحكومات الغربية، لاتخاذ التدابير اللازمة لإحياء تنفيذ مشروعات تقسيم المنطقة، وهدم الدول، بشكل عنيف وقاس، وبالفعل بدأت إسرائيل حرب الإبادة فى غزة، والقضاء على حماس وحكمها، بدعم عسكرى وسياسى أمريكى غير مسبوق، ومنح الضوء الأخضر لتوسيع عملياتها فى لبنان وسوريا، وواضح من حجم المخططات أن انتقال النار سيطال دولا أخرى فى المنطقة.
وبالعودة إلى أحداث 11 سبتمبر 2001 ستجد تنفيذها وفق العاطفة، وليس وفق خطة وأهداف وتقدير موقف، فى مراهقة وطفولة لا مثيل لها، ونفس العاطفة هى التى دفعت إلى تنفيذ 7 أكتوبر 2023 على غلاف غزة، وحملت اسم طوفان الأقصى، وكما ذكرنا فى مقال سابق، أن من نفذ هجمات 7 أكتوبر، صنع «الطوفان» وتناسى صناعة «السفن» لإنقاذ الأرض من الغرق، والعباد من الموت، وكانت النتائج وبالا على الشعب الفلسطينى خصوصا، والعربى بالعموم، والمكاسب صفر كبير!
العلوم السياسية والعسكرية، لا تدار بالعاطفة، ولكن وفق خطط مدروسة، وأهداف واضحة، ودراسة واقعية على الأرض، جوهرها المكاسب وحجم الخسائر، والقدرات وانعكاسات القرارات على الأوطان والشعوب، بدقة وصرامة مفرطة، وهى أمور متقاطعة مع المغامرات العاطفية غير المحسوبة، وهنا يتضح الفارق الشاسع بين دولة المؤسسات، ودولة الميليشيات!
اللهم احفظ مصر ومؤسساتها العتيدة المتجذرة فى عمق التاريخ.