ما يحاك للمنطقة من مخاطر ومخططات، جار تنفيذها وفق سيناريو خبيث وماكر لإعادة هندسة الشرق الأوسط، بمثابة كابوس حقيقى، فالخطة هذه المرة تنفذ بأدوات واضحة، دول تسخر كيانات لإثارة القلاقل فى أوطانها، وتطهر الطرق كأنها كاسحات ألغام، تمهيدا لسيطرة العدو وبسط نفوذه وسيطرته، وتنفيذ مخططاته، دون عناء.
على الضفة المقابلة يقف مثلث الكبار، الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا، يتنازعون على كعكة المنطقة، وتحاول كل منها الدفاع عن مصالحها، ودعم حلفائها بقدر المستطاع، وأن سيناريو سقوط دمشق وما تفعله إسرائيل فى سوريا جوا وبحرا وبرا، ومن قبله فى غزة ولبنان، يؤكد المؤكد أن أى حليف يساعد ويقدم الدعم اللازم، عند خطوط معينة، فوجدنا روسيا تنسحب، والصين تدين وتشجب وتترقب، والشعب السورى يدفع الثمن غاليا من أمنه واستقراره وانتهاك أرضه ومقدراته، ويقف عاجزا مرتعدا يجهل مصيره ومستقبله، ويشاهد حجم التنازع على اقتسام أرضه، وتفتيت دولته، وتحويلها إلى كانتونات، بكل ألم وحسرة!
الحليف الوحيد الذى يدعم ويناصر ويعتبر القضية قضيته - وهذه حقيقة مؤكدة - هو الولايات المتحدة الأمريكية التى تقدم كل الدعم لربيبتها إسرائيل، سياسيا وعسكريا واقتصاديا، وأن هناك عسكريين أمريكيين يديرون غرف عمليات الجيش الإسرائيلى، ويضعون له الخطط، ويقدمون له كل الصور بالأقمار الصناعية، وتمده بالتكنولوجيا المتقدمة التى تستطيع الوصول إلى أى مكان تحت الأرض وفوق الأرض، للبحث حتى ولو عن جناح بعوضة.
الشاهد من هذا الطرح، أن «المتغطى بغيره عارى» وأن محاولة جلب الحماية المطلقة، والاعتقاد بأن الغير سيقدم له الدعم المطلق بالأرواح والعتاد، أمر مستبعد، «فلا يحك جلدك سوى أظافرك» وأن ما يحدث فى المنطقة أمثلة واضحة، وأن المخططات مأساوية وكارثية. من هذا المنطلق لا بد من التحرك سريعا، ومواصلة الليل بالنهار، للعمل على تأسيس قوة عربية مشتركة مهامها التصدى للمخاطر، على أن تستظل بمظلة تأسيس كيان للتعاون الإقليمى تستند على مبادئ احترام السيادة وحسن الجوار والامتناع عن التدخل فى شؤون الغير، وحماية الدولة الوطنية ومؤسساتها ورفض وجود ميليشيات وحركات مسلحة، وجماعات وتنظيمات متطرفة تثير القلاقل، وإعلاء شأن المصلحة العليا للوطن العربى.
لا توجد رفاهية للوقت، أو التفكير المتأنى والدراسات العميقة، فيمكن البناء على نفس النهج والدراسات التى أجريت على تشكيل قوة عربية مشتركة عام 2015 باقتراح مصرى، وكان النظام المصرى ممثلا فى الرئيس عبدالفتاح السيسى، صاحب الفكرة، وكأنه يستشرف المستقبل، ويدرك حجم المخاطر، ولما لا وهو الرجل العسكرى القادر على قراءة الخرائط ومعرفة النقاط الساخنة والقدرة على تحليل الأحداث والمعلومات، بشكل متميز.
هذه القوة - كما ذكرنا - تستظل بمظلة ما يمكن تسميته منظمة الأمن والتعاون، أو الجيش العربى الموحد، وهذا الأمر ليس ببدعة أو إبداع من خيال جامح، وإنما شبيه لما أقدمت عليه أوروبا، بتأسيس منظمة الأمن والتعاون الأوروبى عام 1975 أى أن تأسيسها اقترب من 50 عاما، ولعبت المنظمة دورا جوهريا فى تجاوز الخلافات والانقسامات الحادة، ما بين دول الغرب الرأسمالى، والشرق الشيوعى، ووقفت سدا منيعا فى منع نشوب حروب فيما بينها، واستمر الحال حتى انهيار المعسكر الشيوعى نهاية الثمانينيات من القرن الماضى.
هذا الكيان العربى، يتأسس من الدول العربية القوية والفاعلة، فى مقدمتها مصر والسعودية والإمارات والجزائر وقطر والكويت، ليلعب دورا بارزا فى هندسة المنطقة، والمحافظة على أمن واستقرار الدول العربية وحدودها، واعتبار أن الدولة الوطنية ذات السلطة الواحدة الموحدة، واعتبار أن المؤسسات الوطنية الحامية، الجيش والشرطة، المالكين الحصريين للقوة المسلحة، واعتبار الميليشيات والجماعات والتنظيمات الإرهابية والمسلحة، كيانات ضد القانون، وخارجة عن الشرعية.
هذه القوة، أو الكيان، سميها ما شئت، قراراتها تنبع من إرادتها، ولا تتحكم أو تؤثر فيه أى قوى من المثلث الحاكم للأرض، أمريكا كانت أو روسيا والصين، ولا أيضا من القوى الباحثة عن دور وتسير فى نفس النهج، مثل إسرائيل أو إيران وتركيا، فالأمة العربية قادرة على أن تكون رقما فاعلا وقويا فى معادلة السياسة والقوة العسكرية، وتستطيع أن تحمى نفسها بنفسها، وتدافع عن قدراتها وتحمى مصالحها.
الوضع فى المنطقة جل خطير، وأن ما يحدث فى غزة وسوريا ولبنان والعراق واليمن، بجانب المخاطر التى تهدد البحر الأحمر تجعل من التكامل والتعاون وتأسيس كيان قادر على الحماية، فقه الضرورة، ماذا وإلا فإن البدائل كارثية على الجميع.
وتبقى مصر بشعبها وجيشها، ومن قبل ومن بعد عناية الله، فى أمن واستقرار ورباط إلى يوم الدين.