محمود عبدالراضى

"العيش".. رغيف الحياة في قلوب المصريين

الثلاثاء، 17 ديسمبر 2024 09:49 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

ليس مجرد طعام على المائدة، بل رمز للحياة نفسها، "العيش" في قاموسنا أكثر من مجرد خبز يُكسر الجوع، إنه وثيقة غير مكتوبة تسجل قيم الكفاح، والصداقة، والتسامح، وحتى الأحلام.  

هنا .. في مصر، نُقدَّس العيش، ربما لأنه شاهِدٌ على قصص لا تنتهي من النضال اليومي، وربما لأنه البسيط الذي يحمل معاني الحياة العميقة، حين يقول الشخص "لقمة العيش"، فهو لا يتحدث فقط عن الطعام، بل عن جهد السعي، وعن العمل تحت شمس الظهيرة، وعن قطرات العرق التي تسقط على الأرض لتُثمر رزقًا.


في ثقافتنا، العيش يختلط بالملح ليصنع قسمًا غير مكتوب بين الأصدقاء والإخوة، عندما يقول أحدنا "بينا عيش وملح"، فهو يتحدث عن علاقة تتجاوز المصالح العادية، إنها رابطة الصدق والأصالة، التي تجعل من الخيانة أمرًا لا يُغتفر، ومن الوفاء فضيلة تُحترم.

حتى في القسم، لا يجد الشخص أعظم من "العيش" ليقسم به، حين يقول "والنعمة دي"، يرفع الرغيف إلى مقام القداسة، لأنه لا يمس شرفه ورزقه وحياته بشيء أعظم من الخبز الذي يُبقيه على قيد الحياة.

في وجه المشاكل والصراعات، يرفع الشخص شعاره البسيط: "كُل عيش"، إنه دعوة للتسامح والتغاضي، ووسيلة لتفادي المعارك الصغيرة التي قد تفسد علاقات أكبر.

"كُل عيش" ليست مجرد عبارة، بل فلسفة حياة تدعو للسلام الاجتماعي، وحين يموت الكادح في سبيل عمله، يصبح "شهيد لقمة العيش"، إنه الشخص الذي غادر الدنيا بينما كان يؤدي دوره بشرف وإخلاص، هذه العبارة وحدها تحمل بين طياتها مزيجًا من الحزن والفخر، وكأن الموت نفسه يصبح أقل وطأة حين يكون في سبيل السعي للحياة.

حتى عندما ثار المواطنون مطالبين بالكرامة، رفعوا شعارهم الشهير: "عيش، حرية، عدالة اجتماعية"، لم يكن "العيش" مجرد أول كلمة في الهتاف، بل كان تجسيدًا لكل ما يسعون إليه؛ الحياة الكريمة التي تبدأ برغيف خبز ولكنها لا تنتهي عنده.

هنا.. العيش هو البداية والنهاية، الجوع والشبع، الخصام والسلام، إنه الرغيف الذي يحمل حكايات وطن، المصريون لا يأكلون العيش فقط، بل يعيشونه، يقدسونه، ويحمِّلونه معاني أكبر من وزنه وأعمق من طعمه.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة