على خطوط الواقع تدور الأحداث فى سوريا، بعد هروب بشار الأسد، ولا تنفصل الأحداث عن تطورات الأحداث طوال 15 شهرا من الحرب، بدأت بطوفان الأقصى، لكنا تفاعلت بشكل تجاوز غزة أو الضفة إلى لبنان وسوريا وإلى إيران، الحاضر الغائب فى المشهد من بدايته إلى الآن، حيث يبدو الحال خارج نطاق سيطرة فصيل واحد أو بلد ما، بل هو تقاطع مع أطراف لكل منها دوره الذى تصاعد أو تراجع حسب الاتفاقات أو التفاهمات، التى سهلت إنهاء حكم بشار الأسد، بشكل بدا مفاجئا، لكنه كان جزءا من مشهد متوقع.
وطوال 13 عاما كانت هناك أطراف مختلفة داخل سوريا، حيث دخلت تركيا من البداية بدعاوى الأمن القومى، واحتلت شريطا من الشمال، وكانت ممرا لقوات ومقاتلين من أنحاء العالم، بجانب أن تركيا تضع عينيها على قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، والتى تتشكل من الأكراد، وتعتبرهم تركيا تهديدا لها.
مع الدعم فإن أمريكا موجودة بقوات لحراسة حقول البترول، بينما استدعى بشار الأسد إيران وحزب الله وروسيا، وبالطبع فإن إسرائيل لم تغب عن المشهد أبدا، بل إنها الطرف الفاعل فى التطورات الأخيرة بشكل حاسم، وهناك وجود ظاهر أو مستتر لأطراف عربية أو دولية أخرى ساهمت من البداية فى دعم داعش أو قوات أخرى، واحتفظت لنفسها بأجهزة أو مندوبين، هناك دول مثل مصر والأردن والسعودية والعراق والإمارات أعلنت رفضها التقسيم، وأدانت العدوان الإسرائيلى واحتلال أراض سورية، استغلالا لفراغ أمنى، وخلو الساحة بعد انسحاب الجيش فى أعقاب هروب بشار الأسد.
الشاهد أن التطورات الكمية تفاعلت على مدى شهور لتتيح تحولا يبدو مفاجئا، بينما هو تطور طبيعى، والدليل أن نظام بشار الأسد الذى لم يسقط طوال 13 عاما مع وجود كل منتخبات العالم فى الإرهاب، سقط بسرعة، فى أعقاب انسحاب قوات حزب الله، لإسناد جبهة جنوب لبنان.
والواقع أن ما جرى فى سوريا طوال سنوات كان حربا بالوكالة لصالح أطراف ودول، ومع هذا استمر النظام، لكنه سقط بسرعة ووسط فوضى أدت إلى انسحاب الجيش، ويبدو أن بشار كان وحده المطلع على تطورات الهجوم لكنه استمر من دون أن يبلغ أيا من القيادات، أو يفوض أو يترك السلطة بطريقة تمنع تفكك المؤسسة العسكرية، لكنه فى الواقع لم يفعل، مثلما ترك فرصة الحل السياسى طوال 7 سنوات، بعد هزيمة الميليشيات، وكانت أمامه الفرصة ليحفظ سوريا ومصير شعبها بمسار سياسى يمنع التدهور، لكنه لم يفعل، مثلما احتفظ لنفسه بواقع الأحوال العسكرية، حتى سقطت دمشق، ليهرب، ويعرض بلاده لمصير صعب.
وفى الوقت الذى يقدم فيه أحمد الشرع «الجولانى» نفسه فى صورة جديدة، بعيدا عن تاريخه مع داعش والقاعدة، فإن بشار يصدر بيانا من مهربه لينفى فيه أنه خدع جيشه وشعبه، ويقول إنه طلب من روسيا العمل على تأمين الإخلاء الفورى بعد سقوط العاصمة دمشق وآخر المواقع العسكرية، ونفى ما نسبته إليه وسائل الإعلام، وهى مفارقة لأنه يؤكد ببيانه ما نشر بالفعل.
بشار يقول فى بيانه إنه هرب يوم الأحد 8 ديسمبر، وأنه خلال تلك الأحداث لم يطرح موضوع اللجوء أو التنحى واختار القتال، ويقول إنه لم يغادر فى أصعب سنوات الحرب، ولم يغدر بحلفائه، وأنه لم يكن من الساعين للمناصب إلى آخر البيان، الذى يكشف عن أنانية ورغبة فى الإبقاء على نفسه، ولو كان بالفعل غير راغب فى السلطة لاتخذ قرارات يبعد نفسه فيها لصالح بلاده، لكنه لم يفعل.
بشار فى بيانه لم يقدم تفسيرا لهذا السقوط السريع، ويبدو أنه لم يكن يتصور ما جرى، بالرغم من أنه كانت له مقدمات، وبشكل عام فقد أصبح من الماضى، وعلى السوريين أن يحاولوا إعادة بناء سوريا بعيدا عن أى أطماع لدول وأجهزة، وهو خيار صعب وسط غموض وتقاطعات تمثل تحديا للمستقبل.