في الأسبوع الماضي ذاعت أخبار عن تفقد وزير الثقافة، الدكتور أحمد فؤاد هنّو، لمركز الحرف التراثية والتقليدية بالفسطاط، واهتمامه بوضع خطة لتطوير الورش في هذا المركز، ولتسويق المنتجات الفنية التي ينتجها.. والمعروف أن الورش الفنية بهذا المركز تضم عددا من الحرف الفنية والتراثية، في فنون النحاس والزجاج المعشق والحلي، والخيامية والخزف، وغيرها من الفنون.
هذا الخبر جعلني أسترجع تجربة شهدتها في جزيرة "جوريه" (أو: جوري) بالسنغال، وهي جزيرة قريبة من داكار العاصمة، يتزاوج فيها الجمال الراهن بالمأساة القديمة. وقد زرتها قبل سنوات عديدة، مع الناقدة المحترمة الأستاذة الدكتورة إيمان عز الدين، بدعوة للمشاركة في مؤتمر ثقافي نظّمه اتحاد الكتّاب السنغالي.
ما الصلة بين "مركز الحرف التراثية والفنية في الفسطاط" بالقاهرة، وجزيرة "جوريه" الواقعة في المياه الساحلية أمام العاصمة السنغالية"؟
الصلة بينهما تتعلق بأن كلا منهما يمثل مركزا مهما لإنتاج الفنون اليدوية والتراثية المتنوعة، التي تستند إلى ميراث ممتد، وإن كان تاريخ كل منهما مختلفا؛ فجوريه هذه كانت المركز الأكبر، على الساحل الأفريقي، لتجميع ولتجارة ولتصدير العبيد إلى القارة الأمريكية، خلال الحقبة الاستعمارية البغيضة، وهي حقبة طويلة امتدت فيما بين القرنين الخامس عشر والتاسع عشر، وقد توالت أشكال الاستعمار هناك: البرتغالي والهولندي والإنجليزي والفرنسي.. والجزيرة تضم معالم تستعيد التجارب المأساوية القديمة كنوع من التذكرة والتوثيق، منها "بيت العبيد" و"تمثال الحرية" والمتحف التاريخي..
بعيدا عن ميراث العبودية المؤلم في هذه الجزيرة، وقريبا من عالمنا الذي نعيشه، وفي مجال الإبداع الفني والثقافي الذي نقدّّره ونهتم به، تمنحنا جزيرة "جوريه" تجربة غنية تستحق التوقف عندها وتأملها واستلهامها؛ تتمثل في أن مساحة كبيرة جدا من شوارع الجزيرة وأزقتها أصبحت معرضا حيّا مفتوحا، للمنحوتات والمصوغات واللوحات والمنتجات اليدوية المحلية التي تحتشد بها أماكن العرض بهذه الشوارع والأزقة، والتي ينتجها المبدعون المتعددون في مقرات بسيطة بالجزيرة. والجزيرة، بسبب هذا النشاط الإبداعي، وبسبب مزاراتها وطبيعتها الجميلة، أصبحت مركزا سياحيا مهما، كما تم إدراجها موقعًا للتراث العالمي لليونسكو.
وقد علمت أن التسويق الأكبر للمنتجات الفنية في هذه الجزيرة ينصرف إلى خلال خارج حدودها، إذا إن هناك مؤسسات كبيرة تقوم بتسويق هذه المنتجات على نطاق واسع في بلدان متعددة من العالم.. وهذا ما يرجعنا مرة أخرى إلى تجربة مركز الفسطاط بالقاهرة. فنجاح تجربة جزيرة جوريه، في هذه الوجهة، لم يعتمد على زيارات ومشتريات السياح إليها فحسب، وإنما استند إلى طموح أكبر ورؤية شاملة وإمكانات كبيرة وتنظيم دقيق لعمليات التسويق، واستعان بأهل التخصص وبدراساتهم وتخطيطهم.. ولعل هذه التجربة يتم الالتفات إليها خلال اهتمام وزارة الثقافة المصرية بتسويق منتجات مركز الحرف التراثية بالفسطاط، وغيره من الجهات والأفراد والجماعات الكثيرة المتناثرة التي تنتج وتبدع فنونا مشابهة، وما أكثرها في المدن والقرى والبوادي المصرية، والعربية أيضا.