في عام 1992 انشغل الوسط الفني والصحفي بالإعداد لمسلسل تليفزيوني عن رواية "دموع صاحبة الجلالة" للكاتب الصحفي موسى صبري والتي سبق وتقديمها في مسلسل إذاعي عام 1990 أدى بطولته أحمد زكي ويسرا ويحيى شاهين وعفاف شعيب وأخرجه على عيسى، ثم تحولت لفيلم سينمائي عرضعام 1992 وكان من إخراج عاطف سالم وبطولة سمير صبري وسهير رمزي فريد شوقي وأحمد بدير و يحيى شاهين و أحمد مظهر.
ورغم اهتمام الجمهور بالمسلسل الإذاعي والفيلم التليفزيوني والجدل الذي دار هو الشخصية الرئيسية في الرواية وهو الصحفي الانتهازي والوصولي والمنافق "محفوظ عجب"، إلا أن الاهتمام والشغف بالمسلسل التليفزيوني الذي يحمل اسم الرواية وانتظار عرضه المقرر في شهر رمضان (مارس) 1993 كان لافتا ومدهشا لسبب آخر لا يتعلق بأبطال المسلسل فاروق الفيشاوي وميرفت أمين وعمر الحريري ودلال عبد العزيز وصلاح ذو الفقار وحسني حسني وإخراج يحيى العلمي وإنما للظهور والإطلالة الأولى دراميا لشخصية الزعيم الراحل جمال عبد الناصر على الشاشة الصغيرة، فالمخرج يحيى العلمي والسيناريست عاطف بشاي قررا أن يكون من بين الشخصيات الدرامية في المسلسل حسب السياق التاريخي والدرامي شخصية جمال عبد الناصر!.
في ذلك الوقت كان الاهتمام الأكبر ليس بالمسلسل وانما بظهور الزعيم عبد الناصر في أول عمل درامي والممثل والفنان الذي سيؤدي دوره على الشاشة.. فمن يجرؤ للظهور الأول لأداء شخصية ناصر بعد مرور 23 عاما على وفاته وسنوات قليلة للغاية على الافراج عن شرائطه وخطبه وأغاني مرحلته التاريخية؟!.
وقع الاختيار على واحد من جيل طلبة الستينات وخريج المعهد العالي للفنون المسرحية عام 70 وهو الفنان نبيل الحلفاوي- الذي رحل عن دنيانا منذ عدة أيام عن عمر 77 عاما- وكان الاختيار المناسب واتفق النقاد والكتاب على أن الحلفاوي هو الأقدر على أداء دور عبد الناصر في المسلسل.
وانتظر الجميع عاما كاملا لعرض المسلسل في شهر رمضان عام 1993 والذي وافق شهر مارس. وقتها كنت أعمل محررا صحفيا في صحيفة " مصر الفتاة" ومع بداية الإعلان عن بروفات المسلسل والكشف عن اسم الفنان نبيل الحلفاوي لأداء دور ناصر سارعت للاتصال به وتحديد موعد لإجراء حوار صحفي عن دوره وكيفية الاستعداد له ومدى تخوفه من الظهور الدرامي الأول لشخصية ليست عادية وسينتظرها جمهور المشاهدين في العالم العربي. فالمسلسل الإذاعي والفيلم السينمائي تجاهلا ظهور شخصية عبد الناصر والمسلسل التليفزيوني قرر خوض المغامرة والمجازفة .
حددنا الموعد مساء اليوم التالي وذهبت للقائه في شقته بعمارة الأورمان في شارع مراد بالجيزة بالقرب من فندق شيراتون الجيزة.
ما أعرفه وأكونه في ذهني عن صورته وشخصيته أنه ذلك الفنان المثقف الواعي صاحب الأداء المميز والجاد والمقنع والمهتم بقضايا وطنه والمعبر عنها في أدواره المسرحية والتليفزيونية
فقد عرفه الجمهور من خلال السهرات تليفزيونية مثل: «الشاهد وكل فى طريق» ثم ظهر فى مسلسلات كثيرة في فترتى السبعينيات والثمانينيات مثل: «الجريمة" و"القضية ٥١٢" و"وراء الحقيقة" و"محمد رسول الله." ثم المسلسل والدور الأشهر له في منتصف الثمانينات في مسلس " غوايش" في دور " المعلا جانون" ثم زاد توهجه في مسلسل رأفت الهجان: الجزء الثاني والثالث عام 90-91 في دور نديم هاشم (قلب الأسد) ثم توهج بعد ذلك في " الزيني بركات وزيزينيا وغيرها. أكثر من 50 مسلسل تليفزيوني واذاعي وسهرات تليفزيونية . بالإضافة الى 18 فيلما سينمائيا تقريبا و6 مسرحيات
سنوات التسعينات كانت فترة التجلي للفنان نبيل الحلفاوي حيث قدم أهم أدواره في رأفت الهجان وزيزينيا وأوراق من المجهول، دمي ودموعي وابتسامتي، حكاية بلا بداية ولا نهاية قصة مدينة، الزيني بركات ودموع صاحبة الجلالة وسور مجرى العيون، طقوس الإشارات ومسرحية التحولات ثم قدم واحد من أهم أدواره طوال مسيرته الفنية عندما قدم شخصية العقيد محمود في فيلم «الطريق إلى إيلات» عام 94 وهى مأخوذة عن شخصية حقيقية للقبطان مصطفى طاهر. وبسببه أطلق عليه لقب القبطان نبيل الحلفاوي حتى وفاته.
استقبلني في شقته بابتسامته التي لا تفارق ملامح وجهه وبضحكته التي اختزلت كل عبارات المقدمات والتعارف في بداية اللقاء و تأبطني على الفور الى حجرة مكتبته. أخذتني الدهشة والذهول من أعداد الكتب المرصوصة فوق أرفف مكتبته وتغطى جدران الحجرة الأربعة تقريبا. لم أخف عليه دهشتي من اهتمام فنان بهذا القدر الكبير من الكتب والمجلدات والدوريات :" بصراحة يا فنان كنت أعرف أنك مثقف لكن ليس بهذه الدرجة التي تحتفظ فيها بآلاف الكتب والمجلات في مكتبتك".. ضحك وسرد لي حكايته مع القراءة منذ نشأته في حي السيدة زينب بالقاهرة(مواليد)1947وأثناء دراسته في كلية التجارة ثم التحاقه بالمعهد العالي للفنون المسرحية.
وتخيل أنك تدرس في المعهد ومعك دفعتك محمد صبحي ولطفي لبيب ويسري مصطفى وقبلها زملاء معك مثل نور الشريف وأحمد زكي وينس شلبي وتتلمذ على يد جلال الشرقاوي وفي فترة الستينات ولا تكون قارئا نهما.
تجولنا بين الأرفف...كتب هيكل ومصطفي أمين وزكي نجيب محمود وطه حسين والعقاد ونجيب محفوظ واحسان وتوفيق الحكيم وكتب ومجلدات المسرح ودوريات ومجلدات روزا اليوسف ودار الهلال ومجلات الستينات وغيرها. مكتبة مكتظة بكل أنواع المعرفة.
استغرقنا الحديث عن المكتبة قبل أن أقول له :" دلوقت عرفت ليه اختاروك لدور عبد الناصر وليه وافقت". قال لي :" منذ فترة وأنا متشوق لتقديم شخصية الزعيم على الشاشة فقد قرأت كل شيء عنه وأنا أحد المعجبين به منذ الستينات"
سألته ألست قلقا من الدور رغم أنه ليس بالدور الكبير في المسلسل..؟ بالتأكيد فأنا منتظر ومتشوق لرد فعل الجمهور من أدائي للدور. وسأحاول أن أقدمه كما يعرفه الناس وبطريقتي الخاصة وبشخصيتي العاشقة للزعيم.
الحوار امتدت حتى منتصف الليل دون أن ندري فالحديث مع نبيل الحلفاوي المثقف والبسيط والودود لا حدود له . شخص لديه اهتمام بأشياء كثيرة بالقراءة والفن والحياة والرياضة ويحتفظ بصورته ونجوميته لدى الجمهور. فقد كانت اختياراته بحساب دقيق فلا مانع لديه أن يظل سنوات لا يشارك في أعمال فنية، لكن عندما يقدم عملا يكون له قيمة أولا وإضافة له. ومازالت أدواره علامات فارقة ومميزة في مسيرة الفن المصري في المسرح والتليفزيون والسينما ويكفي وجود اسمه في تترات أو افيشات أي عمل فني لكي تضمن مشاهدة عمل جيد له قيمة فنية راقية . رحم الله القبطان