لم تكن الحرب فى سوريا حربا من أجل الحرية، لكنها حرب تمثل أطرافا إقليمية ودولية وأجهزة استخبارات، وهى تفاصيل أعلنت فى حينها، وتمثل قاعدة فى عمل التنظيمات الإرهابية التى تغير أسماءها لكنها تبقى ممثلة لأطراف متعددة، تمولها أو تقدم لها الدعم، ومن هنا فإن عودة قوات تطلق على نفسها تحرير الشام، ظهرت وهاجمت حلب وحماة، بناء على تطورات راهنت فيها على أن التطورات الإقليمية التى تحدث وتغييراتها فى لبنان أو الهجمات الإسرائيلية على بعض مناطق سوريا يمكن أن تمهد لعودة.
ثم إن التنظيمات الإرهابية المتنوعة داعش وأخواتها، لم تكن لها أى علاقة بالتغيير أو السعى للحريات، لكون هذه التنظيمات مجرد أدوات تستعمل لأهداف سياسية، وبعد هزيمة داعش فى العراق وسوريا، تبقى فلولها مستعدة للعمل كوكلاء لصالح أى أطراف تمولها وتدعمها.
من هنا يمكن تفهم التطورات الدرامية التى تجرى فى سوريا، هجمات ما يسمى هيئة تحرير الشام، وهى إعادة تسمية لجبهة النصرة، وبقايا تنظيمات إرهابية تابعة لأطراف إقليمية، ودولية وأجهزة استخبارات، وأعلنت فى بيانات أنها سيطرت على حلب، وقالت إن قوات الجيش السورى انسحبت من شمال وشمال غرب البلاد، وهو ما أثار حالة من الهلع بين السكان ونزوح أكثر من 14 ألف شخص، نصفهم من الأطفال، بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، خوفا من تكرار تجربة داعش والنصرة، التى هى الاسم السورى لتنظيم القاعدة.
وقد تزامنت هجمات التنظيمات المسلحة مع قصف وهجمات شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلى، على بعض المناطق فى سوريا ضمن حربها على حزب الله، والذى انسحب من بعض تمركزاته من سوريا، للحرب فى جنوب لبنان.
ومن بين التحليلات التى تتم هى أن قوات الميليشيات من النصرة، سعت إلى الهجوم بعد تردد وجود اتفاق سورى تركى يسمح لقوات الجيش السورى بالسيطرة على مدن الشمال، ما دفع المسلحين والمرتزقة للتحرك عسكريا لمنع أى تقارب بين أنقرة ودمشق، لكن ابتعاد تركيا عن تقديم الدعم لهذه الميليشيات يدفع بعض المحللين للإشارة إلى محاولة لعب دور أو البحث عن دور للنصرة، للعمل وكلاء لأى من الأطراف الإقليمية، بعد فشلهم فى الدخول إلى جهود المصالحة السورية، بعد تغيير أسمائهم، بجانب أن ميليشيات النصرة حاولت العمل ضمن جبهة إسرائيل، رهانا على انشغال إيران وروسيا بالصراع الإقليمى والدولى، وانشغال حزب الله والخوف من مغادرة لبنان خوفا من الاغتيالات.
وحسب تقرير الزميل أحمد جمعة فى «اليوم السابع»، فإن أبو محمد الجولانى قائد جبهة النصرة، يسعى إلى جمع المرتزقة وفلول التنظيمات المهزومة لخوض حرب، رهانا على دعم أو البحث عن جهة للعمل معها.
لكن التحولات المختلفة، والمواقف العربية المتنوعة من مصر والأردن والعراق والإمارات، الداعمة للموقف السورى، فى مواجهة المرتزقة، وأيضا التأكيد الروسى بتوجيه ضربات مشتركة، ونفى البيانات التى تحدثت عن اجتياح، تجعل من الصعب أن تكون الميليشيات المكونة من المرتزقة قادرة على الاحتفاظ بأماكنها بعد هزيمتها فى 2020، وقد أعلن التليفزيون السورى أن الجيش استعاد السيطرة على بعض قرى حلب وحماة، وأنباء عن مقتل الجولانى فى غارات جوية.
الشاهد أن تحولات كثيرة شهدتها المنطقة تجعل من مصائر تنظيمات المرتزقة بعيدة عن الاجتياح، وإنما تنفيذ عمليات خاطفة لا تؤثر، خاصة مع تغيير فى المواقف الإقليمية لبعض الدول التى توقفت عن دعم هذه الميليشيات، بجانب اكتشاف الشعب السورى أن الإرهاب لا علاقة لها بتحقيق الحرية أو تطوير العمل السياسى، وإنما الإرهابيون وكلاء لمن يدفع، والدليل أنهم اختفوا منذ 7 أكتوبر 2023، وغابوا عن أى تحرك لنصرة فلسطين أو غزة، وظهروا مع القصف الإسرائيلى لمناطق سورية.
مقال أكرم القصاص