دندراوى الهوارى

صنعوا «الطوفان» وتناسوا توفير «سفن» الإنقاذ.. الأقصى لم يتحرر والمنطقة تغرق!

الإثنين، 02 ديسمبر 2024 12:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لكل عمل فى هذه الحياة نتائج، إما إيجابية، أو كارثية، وعند التقييم الموضوعى لا بد من الإشارة للنتائج الإيجابية والبناء عليها، أما السلبية فلا بد من التحلى بالشجاعة الكافية والاعتراف بالخطأ سواء فى التقدير أو التنفيذ أو التوقيت، من الباب الواسع لإعادة ترتيب الأوراق، وتصحيح المسار، وعدم المكابرة فى اتخاذ التدابير اللازمة لشحن بطاريات المراجعات الفكرية، وتحطيم شماعات التبريرات الكارثية، وإلقاء المسؤولية على الآخرين، بمكابرة وعناد وغرور مدمر!

ولنعترف بوضوح ودون مواربة فى ظل أحداث تموج بها المنطقة، تمس الأمن القومى العربى، وتهدد أمن واستقرار دوله، أن يوم 7 أكتوبر 2023 كان تاريخا فاصلا، أحداثه كانت مرتبة بدقة فى كيفية تنفيذ هجوم على العدو، ونال منه ما نال، تحت عنوان «طوفان الأقصى» لكن عقب هذا الهجوم انتظرنا أن تكون هناك حسابات دقيقة، تراعى فيها كيفية التعامل مع رد العدو الذى تعرض كبرياؤه للاهتزاز بعنف، وهل المنفذون للطوفان صنعوا سفنا لإنقاذ العباد حال التعرض للضربات القوية العنيفة؟ وهل هناك خطة قادرة على التصدى للطوفان الجوى، وسيل القنابل المدمرة؟ وماذا عن الدبابات والمدافع والمسيرات وباقى الأسلحة الذكية، هل تمتلك المقاومة عتادا قويا يستطيع التصدى؟ وماذا عن الجانب السياسى المؤثر والقوى الذى يقود تصحيح وجه المقاومة وتحسين الصورة فى المحافل الدولية، والقدرة على التواصل لحشد المجتمع الدولى لنصرة القضية؟ وهل وضعت سيناريوهات تحاكى الواقع وتبتعد عن الخيال الجامع فى حالة احتلال إسرائيل لغزة ماذا تصنع المقاومة؟

جزء من الإجابة المؤلمة ورد فى مقال للكاتبة مايرا بار هيليل، المنشور فى صحيفة ذى إندبندنت البريطانية، بعد أسابيع من شن إسرائيل حرب الإبادة فى غزة، والتى أشارت فيه إلى أن أهل غزة مشغولون بدفن أطفالهم للدرجة التى لا يتمكنون فيها من التفرغ للحديث عن آلام الجرحى والمصابين من ضحايا العدوان الإسرائيلى فى الحروب المستعرة منذ أسابيع!

بعيدا عن اعتقادى واعتقاد كل الخبراء الاستراتيجيين، فإن الواقع والنتائج على الأرض تشى بوضوح أن عملية طوفان الأقصى 7 أكتوبر 2023 لم تنل التخطيط المتكامل، والمتشعب، وأهتم فقط فى جانب الهجوم وتكبيد العدو خسائر قوية، وتضعه فى موقف حرج ينال من كبريائه ويمثل له جرحا غائرا، بينما التدابير اللازمة الأخرى المتعلقة بحماية الأرواح والقدرة على التصدى وتكبيد العدو خسائر موجعة، وإحراجه سياسيا فى المحافل الدولية، سقطت من أجندة أولويات الخطة، وهو ما يدعو لطرح سؤال جوهرى، كيف تصنع «طوفانا» وتنسى بناء وتجهيز «السفن» للإنقاذ من الغرق؟!

الحقيقة أن عملية 7 أكتوبر 2023 لم تكن وبالا على الأشقاء الفلسطينيين فحسب، ولكن على المنطقة بأثرها، نالت من لبنان، وتسببت فى إعادة زعزعت سوريا بعنف، والتى تواجه مصيرا صعبا ومعقدا خلال الساعات القليلة الماضية، كما نالت من إيران وشوهت الصورة المرسومة عنها بأنها قوة عسكرية كبرى فى منطقة الشرق الأوسط، فى حين منحت لإسرائيل فرصة الظهور بأنها قوة عسكرية قادرة على الردع وفرض إرادتها، وهى الصورة التى كانت قد تهشمت على يد الجيش المصرى العظيم فى انتصار أكتوبر 1973، وهو الانتصار الذى حطم أنف جيش الكيان الذى كان يردد حينها بأنه عصى على أن يُقهر!

النتائج الخطيرة للطوفان تتمثل أيضا فى تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلى مجرم الحرب - وفق قرار الجنائية الدولية - والذى يكشف بجلاء عن الغرور والكبر والعودة لنغمة الجيش الذى لا يقهر، عندما قال: «إسرائيل تعمل على تغيير الواقع الاستراتيجى فى الشرق الأوسط»، لذلك لم يكن غريبا أنه بعد تدمير غزة والقضاء على الحرث والنسل، قررت ضرب العمق الإيرانى، وألجمت صوته، ثم اتجهت إلى الجنوب اللبنانى واستطاعت أن تنال بعنف من حزب الله، وتقطع أذرعه وتحطم أضلعه، وما إن انتهت من عملياتها بإعلان توقف إطلاق النار فى لبنان، حتى فوجئنا بعده بساعات قليلة، بالميليشيات والتنظيمات المسلحة تشن هجوما ضاريا على الشمال السورى وأسقطت حلب التى تبعد ما يقرب تقريبا 350 كيلومترا فقط عن العاصمة دمشق، بجانب محاولة إسقاط مدن مهمة مثل حماة واللاذقية، وسط فرجة العالم! 

دمار غزة ثم الجنوب اللبنانى، وما ينتظر سوريا من سيناريو سيئ وكارثى مكتوبة مشاهده بعناية فائقة، «لخبط أوراق المنطقة» برمتها، وهز بعنف الأمن القومى العربى، ما يستوجب التحرك سريعا لإيجاد صيغة تكتل من القوى العربية الفاعلة، وإعلان مبادئ تكامل القوة بكل عناصرها، وهو أمر صار فقه الضرورة، وأن كل ساعة تأخير دون حسم قرار إعلان تكتل عربى قوى، يمثل خطورة بالغة على الجميع!

وفى الأخير، نعيد التأكيد على مخاطر اتخاذ قرارات عنترية دون تخطيط وتقديرات موقف، والتأكيد على أن قبل أن تصنع «الطوفان» عليك أولا بناء «السفن»، ولنا فى نبى الله نوح، عليه السلام، عبرة وعظة، والذى ظل قرونا يصنع سفينته لإنقاذ البشرية من الطوفان، كما أن العظة الأهم من 7 أكتوبر 2023 ضرورة الانتباه واليقظة بأن أيديولوجية الإسلام السياسى الإخوانى، والذى يختزل الوطن فى الأيديولوجيا الضيقة، يحشر المجتمع بكل تنوعه قسرا فى غرفته الضيقة، ويفرض خياراته العدمية على الجميع، وهى خيارات مدمرة للأوطان.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة