احتفلت الأوساط الثقافية والأكاديمية على مدار الأسبوع الماضي بيوم اللغة العربية في عدة فعاليات تنوعت بين الاحتفاء بالإبداع العربي أو بمناقشة كيفية تطوير استخدام اللغة العربية أو مناقشة سبل إحياء اللغة العربية الفصيحة في مجتمعاتها الحديثة، وهي القضية التي ربما ينبغي أن تكون على قائمة أولوياتنا لما لها من أثر على هوية المجتمعات العربية ونظرتها إلى نفسها وبالتالي طريقتها في التعامل مع مستقبلها.
وإذا كان كثير من هذه المناقشات قد وجه اهتمامه لمحاولة حسم جدل دار في منتصف القرن العشرين حول العلاقة بين الفصحى والعامية، وهو الجدل الذي مازالت بعض آثاره حتى الآن ظاهرة على الدرس الأكاديمي العربي، فإن القضية الأولى بالرعاية هي علاقة اللغة العربية باللغات الأجنبية، تلك التي بدأت في غزو مجتمعاتنا وتكوين رؤية أبنائها لأنفسهم ومستقبلهم.
فقد تخلصت المجتمعات العربية من ثقل الاستعمار الصلب في النصف الثاني من القرن العشرين لكنها في الوقت نفسه واجهت تغلغلا ثقافيا بدأ منذ الستينيات ووصل إلى ذروته مع ثورة الاتصالات استغلالا لفكرة القوى الناعمة التي استخدمها الغرب لترسيخ ثقافته في المجتمعات التي لم يعد مستعمرا لها.
من هنا فإن القضية الأكثر أهمية في مجال الحديث عن اللغة العربية وحياتها وتطورها هي علاقتها داخل مجتمعاتها باللغات الأجنبية، وكيفية مواجهة ذلك المد المستمر الذي يبدو أنه منظم وقوي، وهو الأمر الذي يتوجب معه مناقشة أهمية تطوير الأداء اللغوي العربي على شبكة الإنترنت توازيا مع كون اللغة العربية واحدة من أكثر خمس لغات انتشارا على مستوى العالم، بالإضافة إلى دعم تعليم اللغة العربية وتعريب العلوم والتدخل الحكومي الممنهج في برامج المدارس الأجنبية، ودعم برامج تعليم اللغة العربية لأبناء العرب في المهجر، وهي الأمور التي تحتاج أولا إلى اقتناع الإدارات الحكومية بأهمية القضية بوصفها عنصر أساسيا في بناء الهوية القومية ودعم استقرار المجتمع، ومن ثم يحتاج الأمر إلى إرادة واضحة يتم حشد القوى الاجتماعية من أجلها لربط أبنائنا بتراثهم اللغوي، كما يحتاج إلى دعم وتطوير المؤسسات القائمة على اللغة العربية لتفعيل دورها داخل المجتمع، وتقوية هذا الدور بحيث يكون أكثر اتساقا مع القضايا الحديثة، وبحيث تخرج هذه المؤسسات عن صمتها أو عن دورها المتحفي الذي تقوم به الآن بوصفها حامية لحفريات اللغة.
إذا كان للغة وظائف متعددة منها التواصل والتفكير والتعبير فإن دورها بوصفها العنصر الأول في بناء هوية الفرد والمجتمع يجعلنا في المواجهة مع أنفسنا وسؤال مستقبلنا وهو الأمر الذي يمكن مناقشته عبر محاور عدة ربما يتسع المقام في الأسابيع القادمة لمناقشة بعضها.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة