كل من تابع الفعاليات التى شهدتها مصر خلال يومين، وانعقاد قمة الدول الثمانى النامية، يعرف أن القمة تحمل الكثير من التوجهات والرسائل، التى صدرت من جلسات القمة، أو من البيان الختامى، بجانب ما تضمنته اللقاءات بين الرئيس عبدالفتاح السيسى والرؤساء الحاضرين، وما تم من مباحثات ثنائية أو ثلاثية أو بين الدول الثمانى الممثلة للأعضاء، حيث بدت التفاصيل القائمة متعلقة بالتعاون والشراكات، وأيضا بمواجهة تحولات كبرى تجرى فى المنطقة وتنعكس على مصالح وأمن هذه الدول مباشرة، أو بشكل غير مباشر.
وتحرص مصر - على مدار سنوات - على اتباع سياسة تقوم على مواجهة التناقضات ودعم المسارات السياسية، والشراكة والتعاون كطريق للنفوذ، خاصة فى ظل تحديات غير مسبوقة واجهت ولا تزال مصر والمنطقة والعالم، وهى تحديات وجودية مثل الإرهاب، والبعض الآخر يتعلق بصراعات وحروب داخل دول عربية، تفاعلت وأثرت على واقع السياسة والتقاطعات فى المنطقة، خاصة التحولات التى تدور فى سوريا، وهى نتاج لتفاعلات وتقاطعات مستمرة من شهور.
وبالرغم من أن كثيرا من الشواهد كانت تشير - طوال 15 شهرا - إلى أن المنطقة على موعد كم تحولات كبرى، ومع هذا لم يستوعب كثيرون حجم التغيرات التى تنسف جسورا وخطوطا حمراء، وعيد ترتيب تفاصيل كثيرة، وما يجرى الآن فى سوريا هو تحول كيفى بعد تراكمات لتحولات كيفية كانت تدور علنا خلال شهور ما بعد 7 أكتوبر، وهو التاريخ الذى يمكن الاستناد إلى نقاطه المتشعبة، وكيف امتدت تأثيراته الى أبعد كثيرا من غزة.
وما يجرى فى سوريا الآن، هو نتاج 14 شهرا من الحرب، تفاعلت خلالها التطورات الكمية لتتيح تحولا بدا للبعض مفاجئا، بالرغم من أنه كان نتاجا لتفاعلات علنية، بدأت فى غزة، امتدت الى جنوب لبنان وإيران، وإلى سوريا، حيث بدت خارطة التشابكات واضحة ومتصلة، خاصة ما سميت جبهة الممانعة، التى شهدت واحدة من أكثر المواجهات فى تاريخ المنطقة، ليست فقط مواجهات عسكرية ظاهرة، لكنها كانت إحدى أكثر حروب المعلومات والاختراقات ضراوة.
فقد بدأت من عمليات الاختراق والاغتيالات لأكثر من 400 قيادة كبيرة فى حزب الله، وتفجير آلاف من أجهزة «البيجر» كان يحملها قيادات من الحزب فى بيروت، وفى سوريا وتفجير آلاف من أجهزة الاتصال المباشر «تلى توك» بشكل متزامن أدى لمقتل وإصابة العشرات، وكشف عن عمليات اختراق وتجسس وزرع متفجرات تمت على مدى شهور، وعمليات اغتيال داخل لبنان واغتيال إسماعيل هنية داخل إيران، كل هذا جعل من عملية اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وخلفائه، أمرا متوقعا.
كانت هذه كلها علامات على أكبر وأوسع تحولات فى مسارات الحرب الحالية، والمواجهات على مدى العقود الماضية، وكانت تفرض تحركا مختلفا يمكنه وقف تدحرج الكرة من فوق الجبل لتهرس ما تحتها من ثوابت وخطوط حمراء، بدت صعبة التغيير، لكنها بسرعة كانت من الماضى، مثلما أصبح نظام بشار الأسد فى سوريا من الماضى، لأنه لم يكن قادرا طوال 14 شهرا على قراءة تحولات كبرى، وتعامل كأن شيئا لا يحدث، واحتفظ برهاناته وعجز منذ 6 سنوات عن ترتيب سياسى يمكنه من خلاله إحداث نقلة نوعية فى السياق السياسى، واعتمد فقط على أطراف خارجية بينما كانت الخطر الظاهر هو وجود كل الأطراف الخارجية فى سوريا، ممثلين لأجهزة ودول وأنظمة.
وبالطبع، من بين أكثر الدول والأجهزة، كانت إسرائيل التى اتضح أنها تمتلك الكثير من المعلومات عن جنوب لبنان وإيران وسوريا، وتحركات القوات فى كل من النقاط المتعددة، ما جعل لها اليد العليا فى حرب تقوم - فى الأساس - على العلم والتقنية، فى جولة اتضح أنها تختلف عن جولات ومواجهات سابقة، وتمثل تحولا كبيرا فى تاريخ الصراع، يفرض على كل طرف تفهمه، بعيدا عن أوهام القوة والانتصارات الوهمية.
نحن أمام تحولات تحطم خطوطا حمراء، وتطيح بثوابت، وتفرض تفهما وقراءة، تتجاوز المبالغات والعواطف، إلى التعامل بالعلم والخطط، والتحرك.