تحتفل جامعة القاهرة، أهم وأعرق الجامعات في مصر والعالم العربي، اليوم بذكرى تأسيسها الـ116، فقد أُنشئت هذه المؤسسة التعليمية العملاقة في 21 ديسمبر 1908. هذه المناسبة، والتي نحتفل بها كل عام بإقامة عيداً للعلم لتكريم علمائها المتميزين في كل المجالات، تمثل محطة هامة لتأمل دور هذه الجامعة العظيمة وتأثيرها على المجتمع المصري والعربي والعالمي، وكذلك استعراض مسيرتها العلمية والمجتمعية المميزة في سطور قد لا تكفي لسرد مسيرتها العظيمة.
بدأت فكرة إنشاء جامعة القاهرة في أوائل القرن العشرين بعدة مبادرات من النخب المثقفة في مصر، التي رأت أن هناك ضرورة ملحة إلى إنشاء مؤسسة تعليمية مصرية تقدم تعليمًا عصريًا يلبي طموحات المجتمع المصري. وبدأت الجامعة كمشروع أهلي بدعم مالي من شخصيات بارزة مثل الزعيم الوطني مصطفى كامل وزعيم الأمة سعد باشا زغلول والأمير أحمد فؤاد والذي ترأس أول مجلس لإدارة الجامعة. وفي عام 1925، تحولت الجامعة إلى مؤسسة حكومية تحت اسم "الجامعة المصرية"، ودمجت لاحقًا مع عدد من الكليات المتخصصة لتصبح "جامعة فؤاد الأول"، ثم استقرت على اسمها الحالي "جامعة القاهرة" بعد ثورة يوليو 1952.
وطوال تاريخها الناصع، لعبت جامعة القاهرة دورًا عظيمًا ومحوريًا في تشكيل الوعي لدى أفراد المجتمع المصري، وتعزيز نهضته الفكرية والعلمية. فقد ساهمت الجامعة في تخريج أجيال من العلماء والمفكرين والقادة، المصريين والعرب، الذين ساهموا في تطوير مختلف المجالات العلمية والثقافية والسياسية، ليس فقط في مصر، بل في الوطن العربي والعالم بأسره.
وعلى المستوى الدولي، تربط الجامعة علاقات أكاديمية وثيقة مع مؤسسات تعليمية رائدة، مثل كامبريدج وأكسفورد والسوربون وغيرها من المؤسسات التعليمية العالمية العريقة، ما عزز دورها في دعم البحث العلمي والتبادل الثقافي. كما أنها مثلت نموذجًا يُحتذى به للجامعات في المنطقة، حيث ألهمت إنشاء جامعات عربية عديدة. كما ساهمت الجامعة في تخريج قيادات عالمية قادت مؤسسات دولية، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر الدكتور بطرس بطرس غالي الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة
وعبر تاريخها الطويل حققت جامعة القاهرة التميز والريادة في العديد من المجالات العلمية، أبرزها تخصص الطب من خلال كلية طب قصر العيني، التي تُعد من أعرق كليات الطب في العالم العربي، وتخصص الهندسة حيث قدمت الجامعة إسهامات بارزة في مجالات البنية التحتية والطاقة وغيرها من المجالات الهندسية الأخرى، وتخصصات العلوم الطبيعية مثل الفيزياء والكيمياء والرياضيات والتي برع فيها علماء لا يشق لهم غبار على مستوى العالم مثل دكتور مصطفى مشرفة ودكتورة سميرة موسى، وتخصص القانون من خلال كلية الحقوق التي ساهمت في تخريج نخبة من القادة القانونيين والقضائيين والسياسيين، وتخصصات العلوم الاجتماعية والإنسانية عبر كليات الآداب والاقتصاد والعلوم السياسية والإعلام والتجارة والآثار ودار العلوم، والتي أثرت الحياة الثقافية والفكرية في مصر والشرق والأوسط. كما تميزت الجامعة طوال تاريخها بإنتاجها البحثي الغزير والمؤثر والذي يجعلها دائما في مصاف الجامعات المصرية والعربية والإفريقية، حيث تحتل الجامعة دائماً مكانة متقدمة في التصنيفات الدولية بفضل أبحاثها المبتكرة.
وتفتخر جامعة القاهرة بتخريج نخبة من الشخصيات التي تركت بصمة قوية في مختلف المجالات منها الأدب والفن والسياسة وغيرها من المجالات. وتضم القائمة عظماء مثل عميد الأدب العربي طه حسين، وصاحب نوبل في الأدب نجيب محفوظ، والمخرج العالمي يوسف شاهين والزعيم الراحل الرئيس جمال عبد الناصر والدكتور بطرس بطرس غالي والدكتور محمد العريان، أحد أبرز الاقتصاديين العالميين، والأديب السعودي غازي القصيبي، والجراح المصري مجدي يعقوب، وعالمة الذرة سميرة موسى. وحصل على الدكتوراة الفخرية منها العديد من عظماء العالم مثل الرئيس الأميركي تيودور روزفلت، والرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان، والرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، والباكستاني محمد أيوب خان، وكذلك الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا.
ونستطيع أن نقول وبصدق أن جامعة القاهرة وبعد 116 عام من وجودها أنها أنجزت رسالة عظيمة تتمثل في نشر العلم والمعرفة، وبناء أجيال من المفكرين والقادة الذين ساهموا في تشكيل مستقبل مصر والعالم العربي، وتعزيز النهضة العلمية والثقافية والاجتماعية. ومن أهم ملامح إنجازات جامعة القاهرة إتاحة التعليم لجميع المصريين، فقد انطلقت الجامعة كمشروع نهضوي يسعى لتوفير تعليم عصري لكل أبناء مصر بدون تفرقة طبقية أو جغرافية. كما ساهمت وبقوة في دعم الهوية الوطنية حيث لعبت الجامعة دورًا محوريًا في تشكيلها، وكانت منارة لتأصيل القيم الوطنية وتعزيز الشعور بالانتماء. وحققت الجامعة إسهامات بحثية بارزة في مجالات الطب والهندسة والعلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية والاجتماعية، مما جعلها مركزًا للابتكار والتطوير. كما كانت الجامعة دائمًا في طليعة المؤسسات التي تتفاعل مع القضايا الاجتماعية والاقتصادية، وساهمت في تقديم حلول مبتكرة لمشكلات المجتمع. ومن خلال شراكاتها الدولية وبرامجها المتميزة، تمكنت جامعة القاهرة من أن تصبح جسرًا للتواصل بين الشرق والغرب في مجالات البحث والتعليم.
وفي عيد ميلادها الـ116، تواصل جامعة القاهرة ريادتها وتفوقها وتحقيق رسالتها في التميز الأكاديمي وخدمة المجتمع، حيث تواصل الجامعة تقدمها الكبير في التصنيفات الدولية الكبيرة مثل تصنيفات كيو أس وتايمز للتعليم العالي وشانغهاي ويو أس نيوز وليدن، ومؤخراً التصنيف العربي للجامعات الذي أعلنت نتيجته الأسبوع الماضي باحتلال جامعة القاهرة المركز الأول مصرياً والثاني عربياً متفوقة على جامعات ذات إمكانيات مادية ضخمة. ومع مرور الأيام والسنين، يزداد بريق ولمعان جامعة القاهرة، وتضيف كل يوم فصلًا جديدًا من الإبداع والعطاء إلى تاريخها الحافل. إنها ليست مجرد مؤسسة تعليمية، بل هي بحق رمز للنهضة والتقدم والتغيير الإيجابي، ستظل مصدر فخر لمصر والعالم العربي.