لم ينته عام 2024 من دون تحولات كبرى، خاصة فى الملف السورى، الذى أصبح هو نقطة المركز فى جذب أنظار العالم والأجهزة الدولية، التى لم تغادر سوريا طوال 13 عاما، وبالتالى فإن الأطراف التى دخلت إلى دمشق وبدأت فى بناء سلطة جديدة، هى ليست طرفا واحدا، وإنما أطراف متنوعة تنتمى لتنظيمات سابقة، بعضها ينتمى لداعش أو القاعدة، والتى غيرت أسماءها طبقا لمتطلبات السياسة والتحالفات، وإن كانت هناك أطراف تدير الملفات من خلف ستار، وهل هى جهة واحدة أم تجمع من أطراف التحكم.
وبشكل عام، نحن أمام تحول كبير، سوف ينعكس على الكثير من التفاصيل المقبلة، تساهم فى رسم خرائط السياسة والسلطة والنفوذ فى دمشق، وباقى سوريا، خاصة أن الصورة القائمة الآن من قبل القائد العام للإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، أنه يتحرك بهدوء وببطء للسيطرة على مفاصل السلطة فى سوريا من رئيس الحكومة المؤقتة، أو الوزراء الذين يتولون الملفات السيادية، أو الملفات المختلفة فى دولاب الحكم. تم تعيين مرهف أبوقصرة وزيرا للدفاع، وقد شغل منصب القائد العام للجناح العسكرى فى هيئة تحرير الشام.
تولى أسعد حسن الشيبانى حقيبة الخارجية فى الحكومة السورية الجديدة، كما أن باقى الحقائب تم إسنادها تقريبا إلى قيادات فى الفصائل والميليشيات التى كانت تقاتل على مدى سنوات.
الشرع اجتمع مع الفصائل العسكرية السورية، وبحث معهم شكل المؤسسة العسكرية الجديدة، والاتجاه إلى دمج الفصائل تحت جيش واحد، وهناك تقارير تشير إلى اتجاه لتجنيس المقاتلين الأجانب وتعيينهم فى الجيش السورى الجديد، وأعلن الشرع عن عدم تهديد أى من جيران سوريا، وغالبا يقصد إسرائيل التى بررت اجتياح واحتلال أرض سورية بالخوف من التهديد.
بدأت بالفعل زيارات من وزير خارجية تركيا لدمشق، وزيارات واتصالات من أطراف عربية من الأردن وقطر ولبنان والمملكة العربية السعودية، وغيرهم، تعكس الحرص على ضمان وحدة سوريا واستقرارها السياسى، والاستعداد لمساعدتها فى الإعمار ومواجهة الظروف الصعبة، يبدى قائد الفصائل، أحمد الشرع، تأكيدا على احترام دول الجوار، وعدم تهديدها، وأكد هذا فى لقائه مع السياسى اللبنانى، وليد جنبلاط، الذى زار دمشق.
كل هذه التحركات تشير إلى أن هناك عقلا يدير المرحلة الانتقالية، فى المقابل لا توجد أى اتجاهات لدى الجولانى «الشرع» لتعيينات ومهام بعيدا عن قادة الفصائل، بل إن أطرافا فى السلطة الحالية تحدثت بوضوح عن أن من قاتلوا فقط هم من يحق لهم تولى السلطة والمناصب، وهو أمر يثير مخاوف من أن يكون الاختيار بناء على الثقة وليس الكفاءة، الأمر الذى يضاعف من احتمالات صدام بين الفصائل، أو أن يكون هدف من يدير السلطة أن يدمج ويجنس عشرات الآلاف من المقاتلين من أعضاء تنظيمات داعش والقاعدة وتوابعهما بالشكل الذى يخلق لهم فرص عمل دائمة، وفى المقابل يقيم جيشا من المرتزقة السابقين لضمان ولائهم، وعدم خروجهم ضد السلطة الجديدة، لكن هذا الأمر مرهون بمدى القدرة على تلبية مطالب كل الفصائل، التى تطلب ثمنا لجهدها أو حروبها طوال العام، وهو ما قد يخلق استقطابا أو صراعا ينهى حالة الهدوء النسبى، وهو توقع أو سيناريو متوقع فى حال فشل صيغة الائتلاف، أو الاتجاه لتقسيم يطيح بوحدة أراضى سوريا.
وكل هذا مرهون بمدى القدرة على بناء سيناريو سورى يستبعد التدخلات والأطراف الخارجية، التى تدفع الأمور إلى الاشتعال مثلما حدث فى ليبيا، لكن هناك من يرى الوضع فى سوريا مختلفا لعدم وجود نفط يضاعف من المنافسة، لكن هناك ممرات مطلوبة لأنابيب الغاز والبترول إلى أوروبا عبر المتوسط، وهى مطالب معلنة من سنوات، وتأتى ضمن سيناريوهات التفاهم، لكن مفاتيح الحل تتوزع بين نقاط عربية وأخرى أمريكية إسرائيلية تركية.