تتداخل حقوق الإنسان مع حرية الفرد المسؤولة في مختلف المناشط الحياتية، بهدف بناء إنسان متكامل يعود بالنفع على مجتمعه، مما يسهم في بناء وطن مزدهر ومستدام، وفي هذا السياق، يُعتبر المجتمع المصري نموذجًا يُظهر كيف يمكن تحقيق الإنتاجية وتعظيم المقدرات، مع الحفاظ على التراث والحضارة، من خلال دعم حقوق الإنسان والحرية المسؤولة، وهذه التداخلات تجعل الأفراد أدوات فعّالة في بناء الوطن وصمامات أمانه، مما يقوي من أركانه ويُسهم في النهوض به وتحقيق التنمية المستدامة وتحسين جودة الحياة، ويتم ذلك من خلال التربية على حقوق الإنسان، التي تعد عملية تعليمية مهمة تهدف إلى تنمية الوعي بقيم ومبادئ حقوق الإنسان، مما يجعلها أداة فعالة لزيادة الوعي بالتفاهم حول الحقوق الأساسية التي يجب أن يتمتع بها كل فرد.
كما تسعى إلى بناء ونشر ثقافة تحترم الكرامة الإنسانية وتضمن العدالة والمساواة، مما يقلل من التمييز والعنف، كما تعمل على غرس مبادئ الاحترام والتعاون بين أفراد المجتمع، وتشجعهم على المشاركة الفعالة في الحياة العامة، مما يؤدي إلى بناء مجتمعات ديمقراطية ومستدامة تتميز بالعدالة والكرامة الإنسانية، ويُتيح هذا النهج للأفراد فهم حقوقهم وواجباتهم والتفاعل الإيجابي، وينمي قدرتهم على المساهمة الإيجابية في تحقيق الاستقرار والازدهار للأجيال القادمة، مما يرسخ قيمًا حضارية تسهم في تحقيق الإنجازات التي تفخر بها المجتمعات.
وتُمثل التربية على حقوق الإنسان أساسًا جوهريًا وأحد المرتكزات الأساسية لبناء مجتمعات متطورة ومستدامة، وتكمن أهميتها في إعداد أفراد واعين بحقوقهم وواجباتهم، مما يشجعهم على المشاركة الإيجابية في المجتمع ونشر قيم التسامح والاحترام المتبادل، كما تسهم التربية الحقوقية في تقليل النزاعات وإرساء ثقافة السلام، وتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال محاربة التمييز والفقر، والمساواة بين جميع الأفراد، كما تعمل على تمكين الفئات المهمشة من خلال توفير المعرفة اللازمة لهم، مما يساعدهم على الدفاع عن حقوقهم ونشر الوعي بقيم التفاهم والاحترام بين الثقافات المختلفة، مما يساعد على بناء مجتمعات متماسكة وبفضل التعليم الحقوقي، يمكن تقليص الفجوات الاجتماعية وتحقيق تكافؤ الفرص بين الأفراد، وبالتالي دعم التنمية المستدامة، وبناءً على ذلك، فإن التربية على حقوق الإنسان ليست مجرد هدف تربوي بل هي وسيلة لبناء مجتمعات عادلة ومزدهرة، تعمل على تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات وتحقيق الرفاه للجميع.
وتُعد التربية على حقوق الإنسان أداة حيوية لبناء مجتمعات قائمة على قيم العدالة والمساواة، حيث تسعى لتحقيق مجموعة من الأهداف الرئيسية التي تساهم في بناء وعي الأفراد تعريفهم بحقوقهم الأساسية مثل الحرية والعدالة والمساواة، إلى جانب الالتزامات والمسؤوليات التي يجب عليهم تحملها تجاه مجتمعاتهم، وترسيخ مفهوم الكرامة الإنسانية باعتبارها قيمة أساسية متأصلة في كل فرد، بغض النظر عن الجنس أو الدين أو العرق، مما يُسهم في بناء مجتمع يحترم التنوع ويُقدِّر الإنسانية وثقافة الآخر، مما يؤدي إلى تقوية التماسك المجتمعي والانسجام بين أفراده وتحفيز المشاركة الفاعلة في الحياة العامة والعمل علي تمكين الأفراد، لا سيما الشباب، من الانخراط في الأنشطة السياسية والاجتماعية، والمساهمة في تفعيل الديمقراطية والمواطنة الفاعلة وإعداد أجيال واعية ومسؤولة وتمكينهم من الدفاع عن حقوقهم وحقوق الآخرين بطرق سلمية وعادلة، مما يساهم في بناء مجتمع مستقر ومتوازن مما يدفع بعجلة التنمية ويُسهم في تحقيق السلام المستدام في آن واحد.
وتلعب التربية علي حقوف الإنسان دورًا جوهريًا في ترسيخ الوعي بحقوق الإنسان وتنميته، وهي أداة أساسية لتنمية القيم الإنسانية وبناء مجتمعات أكثر عدلًا ومساواة، ويمكن تحقيق هذا الهدف من خلال مجموعة من الاستراتيجيات المتكاملة، كإدماج حقوق الإنسان في المناهج الدراسية مثل التربية المدنية أو الأخلاقية لتعريف الطلاب بمفاهيم الحقوق والواجبات، وتصحيح فهمهم لدورهم في حماية واحترام هذه الحقوق، وتوفير مساحات آمنة للطلاب بمنصات للحوار والنقاش حول قضايا حقوق الإنسان، مما يساعدهم على تطوير مهارات التفكير النقدي والانفتاح على وجهات نظر مختلفة، مع تشجيع الطلاب على المشاركة في حملات تطوعية، وتنظيم ورش عمل تسلط الضوء على أهمية حقوق الإنسان وتنمية روح المبادرة لديهم.
بالإضافة لعقد دورات تدريبية متخصصة للمعلمين لتنمية قدراتهم على تعليم مفاهيم حقوق الإنسان بشكل فعّال، مما يساهم في نقل المعرفة إلى الأجيال القادمة بطريقة مؤثرة، وإطلاق مبادرات وحملات توعوية تستهدف جميع فئات المجتمع لتعزيز ثقافة حقوق الإنسان وزيادة الوعي بأهميتها، كما أن لوسائل الإعلام دور محوري في نشر ثقافة حقوق الإنسان، ومنظمات المجتمع المدني تسهم في تعزيز الوعي وتفعيل المشاركة المجتمعية، وتعليم الأطفال أهمية المساواة والعدل، وتشجيعهم على احترام حقوق الآخرين وآرائهم، وتوفير بيئة آمنة للتعبير عن آرائهم دون خوف، وعندما تتضافر هذه الجهود، فإنها تسهم في بناء مجتمع يحترم حقوق الإنسان ويؤمن بمبادئ العدالة والمساواة.
وفي ظل التغيرات العالمية التي يموج بها العالم والمنطقة، تواجه الدولة المصرية تحديات كبيرة تتعلق بالملفات المرتبطة بحقوق الإنسان، ولكنها اتخذت خطوات إصلاحية مهمة في العديد من المجالات بما يتماشى مع المعايير الدولية والإطار الوطني، فقد نص الدستور المصري على ضمان الحقوق الأساسية للمواطنين، مثل الحق في التعليم، والرعاية الصحية، والمساواة أمام القانون، وصدرت العديد من القوانين والتشريعات التي هدفت إلى الاهتمام بحقوق المرأة، الأطفال، ذوي الاحتياجات الخاصة، وضمان حرية التعبير وحرية الصحافة ، كما تم إطلاق "الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان" عام (2021) والتي مثلت خارطة طريق شاملة لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في مصر، وشملت الحقوق المدنية والسياسية، والاقتصادية والاجتماعية، والثقافية وهدفت إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، ومكافحة التمييز، وضمان المساواة بين جميع المواطنين.
وتُعد مبادرة حياة كريمة نموذجًا متكاملًا للتنمية الشاملة التي تسعى إلى تحسين مستوى المعيشة والارتقاء بالخدمات الأساسية في المناطق الأكثر احتياجًا، بهدف تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة من خلال توفير السكن الملائم، والخدمات الصحية، والتعليم، وأنشاء وتحسين ودعم البنية التحتية، وإطلاق برامج لدعم وتمكين المرأة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتنفيذ سياسات شاملة لحماية الأطفال، مثل القضاء على عمالة الأطفال وضمان التعليم الإلزامي وحماية حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال إصدار قوانين تضمن دمجهم في المجتمع وحصولهم على حقوقهم وتوفير مظلات اجتماعية لحماية الفقراء ومحدودي الدخل، مثل الدعم التمويني، وبرامج الإسكان الاجتماعي وتحسين الرعاية الصحية وبناء المستشفيات الجديدة وتوفير العلاج المجاني لغير القادرين، وإطلاق برامج لتمكين الشباب وتوفير فرص عمل من خلال المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتُمثل المبادرة رؤية طموحة لتحقيق التنمية المتكاملة في المجتمعات الريفية، مما يسهم في تحسين جودة الحياة وتعزيز الاستقرار المجتمعي.
وقد أولت الدولة المصرية عناية خاصة للانخراط في أنشطة الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الإنسان مع الالتزام بتقديم تقارير دورية حول حالة حقوق الإنسان في مصر للجان الحقوقية الدولية وإطلاق حملات توعية لمكافحة التمييز العنصري والديني وتفعيل الإجراءات القانونية لحماية ضحايا العنف، بما في ذلك العنف ضد المرأة والأطفال ودعم حرية التعبير وإصدار قوانين تدعم حرية الصحافة والإعلام، مع التأكيد على ضرورة احترام القوانين وحماية المجتمع من خطابات الكراهية والاهتمام بالإصلاح القضائي واستقلالية القضاء وتحسين إجراءات التقاضي لضمان العدالة للجميع والعمل علي توفير آليات قانونية تتيح للمواطنين التظلم وحماية حقوقهم.
وفي ظل هذه الجهود المبذولة من قبل الدولة المصرية هناك تحسن وارتفاع ملحوظ في المؤشرات التنموية والاجتماعية، خصوصًا في المناطق الريفية والنائية وتأكيدًا لمكانة مصر في المحافل الدولية كمساهم رئيسي في دعم حقوق الإنسان وبناء ثقافة مجتمعية جديدة تقوم على احترام الحقوق والواجبات المتبادلة مع استمرار جهود الدولة المصرية في تطوير سياساتها ومبادراتها لتحقيق التوازن بين التنمية المستدامة وضمان حقوق الإنسان في إطار جهودها لبناء مجتمع متكامل ومستقر ومحققة أحلامًا تنموية طموحة.