شهد عام 2024 زخمًا استثنائيًا في الساحة الدولية، حيث أعادت عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ترتيب الأولويات العالمية في ظل تغييرات سياسية حادة، بدأت ملامحها تتشكل منذ نهاية ولاية جو بايدن. عكست هذه التحولات تناقضًا حادًا بين سياسات الإدارتين؛ ففي حين اتسمت ولاية بايدن بالسعي لإعادة تشكيل النظام العالمي وفق مفاهيم العولمة والصوابية السياسية، جاء ترامب بنهج مختلف يسعى لاستعادة الهيمنة الأمريكية من خلال استراتيجيات تصادمية تعيد رسم قواعد اللعبة.
وأصبحت تايوان أحد محاور هذا الصراع، حيث تصاعدت التوترات مع الصين لتحويل الجزيرة إلى ما بات يُعرف بـ"أوكرانيا الشرق"، في إشارة إلى تشابه الصراع مع الأزمة الأوكرانية. إدارة بايدن تبنت استراتيجية مفتوحة لإضعاف روسيا عبر إطالة أمد النزاع الأوكراني وفرض عزلة شاملة على موسكو، مما أدى إلى استنزافها اقتصاديًا وعسكريًا. وفي الشرق الأوسط، أُعيد إحياء مشروعات التقسيم تحت مظلة مبادرات جديدة مثل "الممر الهندي-الخليجي-الإسرائيلي"، الذي شكّل تحديًا لطريق الحرير الصيني، بينما استُخدمت أدوات السياسة النقدية لتعزيز هيمنة الدولار على حساب الاقتصادات الناشئة.
لم يكن عام 2024 مجرد مرحلة لاستمرار هذه السياسات، بل شهد تحولات درامية أعادت تشكيل موازين القوى عالميًا وإقليميًا. في الشرق الأوسط، نفذت إسرائيل عمليات عسكرية غير مسبوقة اجتاحت خلالها جنوب لبنان وسوريا وقطاع غزة، مما أحدث تغييرات جذرية في الخريطة السياسية للمنطقة. وعلى الجبهة الأخرى، تراجعت إيران تحت وطأة الضربات الإسرائيلية المتكررة، مما أضعف نفوذها الإقليمي بشكل ملحوظ. أما سوريا، فتحولت إلى ساحة للفوضى مع تصاعد النفوذ التركي والإسرائيلي وسيطرة قوى إرهابية مثل تنظيم القاعدة على أجزاء واسعة من البلاد، في مشهد يرسّخ واقعًا جديدًا من التقسيم وعدم الاستقرار.
امتدت التغيرات إلى أوروبا وأفريقيا، حيث شهدت الأولى صعودًا ملحوظًا للحركات القومية على حساب التيارات الوسطية واليسارية، في حين تراجع النفوذ الفرنسي في غرب أفريقيا وسط صعود موجات التحرر الوطني التي هزّت أركان النظام الاستعماري التقليدي.
وسط هذه العواصف، ظلت مصر النقطة المضيئة الوحيدة في المشهد الإقليمي. بحكم موقعها الجغرافي واستراتيجياتها الأمنية والسياسية المستقلة، تمكنت القاهرة من إحباط محاولات الاستهداف الغربي، لتبقى الحصن الأخير للاستقرار في المنطقة. بوعي قيادي استثنائي، تصدت مصر لمخططات التقسيم وأكدت قدرتها على مواصلة دورها المحوري كقوة إقليمية توازن بين التحديات والطموحات.
ما حدث في 2024 لا يُعد مجرد مرحلة عابرة، بل يشير إلى بداية عهد جديد من الصراع على النفوذ العالمي، حيث تزداد التناقضات بين القوى الكبرى في مشهد يشكل الشرق الأوسط مركزه الرئيسي. في خضم هذه التغيرات، تظل مصر الحصن الحصين الذي يُبقي على الاستقرار وسط عاصفة التحولات المتسارعة.