عادل السنهورى

المسلماني وتركة "ماسبيرو"

السبت، 28 ديسمبر 2024 12:46 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

منذ ثلاثة أعوام تقريبا دارت الشائعات وتزايدت التكهنات والتوقعات بشأن مصير مبنى اتحاد الإذاعة والتليفزيون (ماسبيرو) ما بين نقل المبنى العريق المطل على النيل من وسط القاهرة إلى العاصمة الإدارية الجديدة ضمن خطة الدولة لنقل مختلف مقرات المؤسسات الحكومية وتطوير المنطقة العشوائية خلف المبنى التي تقع على مساحة 75 فدانا لتحويلها إلى منطقة استثمارية تضم أنشطة تجارية وسياحية وترفيهية، وما بين تصفيته وبيعه لإحدى الشركات الخليجية وتطويره وتأهيله كفندق عالمي على شاطئ النيل.


الذين روجوا لشائعات النقل اعتمدوا على خطة تطوير المنطقة وعلى وجود خريطة لمشروع التطوير لا وجود بها لمبنى باسم الإذاعة والتلفزيون عام 2026، مما يعني تحويل نشاطه إلى نشاط آخر ضمن تطوير المنطقة.


والذين أطلقوا العنان للتكهنات والتوقعات بنقل المبنى استندوا إلى ما تناقلته مواقع الكترونية محلية عن دارسة الحكومة بتخصيص أحد الأبراج في حي المال والأعمال بالعاصمة الإدارية الجديدة ليكون امتدادا لمبنى ماسبيرو القديم الذي يضم ذاكرة المصريين التلفزيونية والإذاعية.


ما بين شائعات النقل وتكهنات وتوقعات البيع تشكل رأي عام رافض "للنقل" أو "البيع" والإبقاء على المبنى الذي يعتبر أقدم مقرات الإذاعة والتلفزيون الحكومية في الشرق الأوسط وأفريقيا، وتم تشييده في عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر على مساحة 12 ألف متر، وبدأت عملية البناء في أغسطس 1959 وتم الانتهاء منه في 21 يوليو 1960. وارتبط بوجدان المصريين وتعلقت أذهانهم بالمبنى ذى الشكل الأسطواني المميز ، واعتادوا على رؤيته في كل عمل فني ودرامي للتلفزيون المصري، وشهد وجود وميلاد وحضور آلاف الفنانين والممثلين والمطربين والمقرئين والمفكرين والمثقفين والعلماء والسياسيين طوال أكثر من 6 عقود.
واشتهر مبنى الإذاعة والتلفزيون المصري باسم ماسبيرو، لأنه يقع في منطقة ماسبيرو المتاخمة لميدان التحرير في قلب القاهرة، والتي تحمل اسم عالم المصريات الفرنسي جاستون ماسبيرو. وأصبح أحد معالم القاهرة السياحية على النيل في مقابل برج القاهرة ورغم النفي الذي أعلنته في تلك الفترة الهيئة الوطنية للإعلام سواء بنقل مبنى ماسبيرو بالكامل للعاصمة الإدارية أو بيعه وتحويله فندق ومولات تجارية، إلا أنه لم يكن وحده كافيا للتوقف عن المطالبة بالتطوير الشامل للمبنى اداريا وماليا واعلاميا. فالمبنى تراكمت عليه الديون طوال السنوات الماضية حتى بلغ إجمالي الديون المتراكمة 42 مليارا و600 مليون جنيه، بحسب بيان للهيئة الوطنية للإعلام عام 2021، ويضم المبنى آلاف العاملين.


وأصدر الجهاز المركزي للمحاسبات مبيانا كشف فيه أن الهيئة الوطنية للإعلام قد تصدرت قائمة الهيئات الحكومية الخاسرة للعام المالي 2023/2022، ووفقا لتقديرات وحسابات التقرير فقد وصلت الخسائر المالية 10.6 مليار جنيه، أي حوالي 74% من إجمالي خسائر الهيئات الحكومية للعام نفسه.


الهيئة الوطنية في بيانها أرجعت أسباب الأزمة إلى العمالة الزائدة- التي تقدر بحوالي 22 ألف موظف، بما فسره البعض بمحاولات السير في طريق الخصخصة لحل مشاكل المبنى المالية على الأقل.فالأزمة تعود إلى بداية الألفية الثالثة عندما بدأت إيرادات الإعلانات تتراجع، مع ظهور القنوات الفضائية الخاصة، وانخفضت نسب مشاهدة القنوات الحكومية بشكل لافت.


محاولات الحكومة للتطوير وإصلاح ماسبيرو منذ عام 2017 لم تحقق المطلوب منها وواجهته مخاوف "الخصخصة" و"تسريح" العمالة  وإشراك القطاع الخاص في إدارة بعض القنوات. وهنا دارت المناقشات حول طبيعة الإصلاح والتطوير وهل هو مالي وإداري فقط، والتغافل عن الرسالة الإعلامية والدور الخدمي الذي يقدمه المبنى من محتوى إخباري وتعليمي وتثقيفي وترفيهي للمواطنين، وهذا لا يصلح معه نظرية السوق وإدارة لقطاع الخاص.


ربما كان تراكم المشاكل والتركة الصعبة هي التي جعلت البعض يتكهن ويتوقع بعملية تصفية ماسبيرو وبيعه والاستفادة منه في مشاريع تطوير قومية أخرى.. لكن مع صدور القرار الأخير بتعيين الكاتب الصحفي أحمد المسلماني رئيسا للهيئة الوطنية للاعلام التابع لها ماسبيرو مباشرة إلى جانب هيئات آخرى "قضي الأمر" بشأن الشائعات والتكهنات والتوقعات، وحسمت القضية بأن ماسبيرو باق وبأنه هو صوت الدولة الإعلامي. فاختيار شخصية إعلامية بقيمة المسلماني لا تعني سوى أن الاختيار جاء لصالح ماسبيرو وتأهيله وتطويره ومواجهه مشاكله وتركته الصعبة التي تراكمت على مدار سنوات طويلة.


الغالبية داخل المبنى وقطاع عريض من الرأي العام في مصر تفاءل باختيار المسلماني وبعدد من الأسماء الأعضاء في الهيئة من الإعلاميين المخضرميين.
بالطبع وجود الشخص اللائق والمناسب في المنصب هو بداية جادة وحقيقية للمواجهه والحل سواء على مسار المشاكل الادارية والمالية أو مسار التطوير الاعلامي واستعادة ماسبيرو لمكانته ودوره الرائد في التأثير وفي قيادة الراي العام بمحتوى ومضمون وخطاب إعلامي يرتكز على الدقة والمصداقية وكشف الحقائق وتناول قضايا الناس والمجتمع بحرية تامة.

الكل يعلم وفي مقدمتهم الصديق أحمد المسلماني بأنها تركة ليست سهلة ويراها المتشائمون داخل المبنى بأنها مستحيلة وغير قابلة للحل.. فالمشاكل التي تراكمت عبر سنوات طويلة ربما لأكثر من ربع قرن لن تحل بين يوم وليلة وتحتاج إلى دراسة متأنية وأفكار وقرارات مدروسة كخطوات أولى على طريق المواجهه والحل السليم. فالمبنى في حاله "تيبس" بمعنى الكلمة في المكان الذي أصابه الاهمال وغاب عنه الاصلاح من الداخل والخارج، والأستوديوهات التي " شاخت" بأدواتها وكاميراتها ومعداتها، ودولاب العمل البيروقراطي الذى خاصم التقنية ووسائل التكنولوجيا الحديثة.


وبيئة العمل داخل المبنى غير مهيأة منذ فترة لإفراز الكوادر القادرة على العمل وانتاج الأفكار والابداع في ظل نظام مالي مختل وغياب معايير اختيار الكفاءات وأهل الخبرة.


لكن هناك تفاؤل مع وجود لجنة شكلها المسلماني على أعلى مستوى لدراسة كافة المشاكل والأزمات المالية والإدارية والإعلامية ولديها الخبرة الكافية بالمنبى وبالهيئات التابعة ومشاكلها والحلول اللازمة لها.


الكثيرون يطالبون بضرورة إيجاد لجنة لتنمية موارد ماسبيرو، وتعظيم قيمة الأصول المهدرة في القاهرة وخارجها، واحداث التوازن بين الرسالة الإعلامية والخدمية من جانب، والإعلانية من جانب آخر، كإحدى وسائل الموارد المالية وهو مايعني باعادة النظر في بعض اللوائح والقوانين الحاكمة داخل ماسبيرو في مسألة الاستثمار المشترك وتنمية الموارد واستغلال المبنى داخليا وخارجيا.


عموما ليس هناك مستحيل طالما توافرات إرادة الحل. وظني أن اختيار أحمد المسلماني للمنصب يعني توافر هذه الإرادة. والقرارات التي اتخذها خلال الأيام الماضية هي "ضربة بداية" موفقة للغاية. المهمة صعبة ولكنها ليست مستحيلة و"ماسبيرو" يستحق بذل الجهد والعرق والاخلاص في العمل لاستعادة وهجه وتألقه وإشراقه من جديد.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة