على مدى سنوات، ومنذ بدأت مرحلة التحولات السياسية فى المنطقة، ومع الوقت والتفاعلات تحولت دعاوى التغيير إلى حركات انتقامية، وحروب أهلية أثمرت عن تنظيمات إرهابية مسلحة، تلقت الأموال والأسلحة الحديثة، وسيارات الدفع الرباعى، بينما اختفت الحركات السياسية التى تم إنتاجها وتربيتها من قبل أجهزة استخبارات غربية، وبالتالى فى سوريا وليبيا تحولت مطالب التغيير إلى حرب أهلية واسعة النطاق وحروب بالوكالة لصالح أطراف ودول وأجهزة.
ولا علاقة لهذه التنظيمات بمواجهة الطغيان أو نشر الحرية، كما يزعم دعاة الثورات الممولة، وأصدقاء شعارات الغزو الأمريكى والأطلسى، الذين دمروا الدولة فى ليبيا وتركوها نهبا لتنظيمات متحاربة تقتسم النفوذ والنفط، وما زالوا يعطلون أى مسارات سياسية، وقبل الغزو الأمريكى للعراق روج توماس فريدمان وأصدقاؤه فى المنطقة مقولة ابن خلدون «الطغاة يجلبون الغزاة»، وهى مقولة حق أريد بها الغزو الذى دمر العراق، ونهب ثرواته وأدخله فى حرب طائفية، بالكاد يخرج منه الآن ويحاول لملمة نفسه.
لم يكن تدمير العراق لنشر الديمقراطية، مثلما لا يمكن اعتبار هجمات داعش والنصرة، ضمن غزوات الرد على الطغاة، فهى مقولة عادت لتزين بوستات عمقاء المقرطة الداعشية، ومحترفى الدونية، منذ اللحظات الأولى كانت الحرب فى سوريا من أجل توطين الإرهاب مثل داعش والنصرة، والتى لا تزال تسعى للعودة تحت القصف الإسرائيلى وبدعم جزئى من رعاة هنا وهنا.
خلف الصراع فى سوريا أكثر من 380 ألف قتيل وملايين اللاجئين، ودمر مدنا واقتصادا، بينما اختفت التيارات السياسية وبرزت التنظيمات المسلحة، وعلى رأسها داعش أحد أكثر التنظيمات دموية وتسلحا وقدرة على الدعاية ونشر الرعب بشكل أقرب إلى صورة حديثة من التتار والمغول، وانتقلت عدوى التنظيمات المسلحة إلى ليبيا وأحالت الأمر إلى مساع للتقسيم.
وبعد مقتل البغدادى، تراجعت صورة داعش وتلقت التنظيمات الإرهابية ضربات انتهت إلى أن أصبحت مجرد فلول مستعدة للعب دور المرتزقة، والعمل لمن يمول ويدفع، بل إنها وجدت قنوات فضائية ولجانا إلكترونية وممرات آمنة تدخل وتخرج من وإلى سوريا والعراق.
المفارقة الأهم أن التنظيمات المسلحة، داعش والنصرة وجيش الإسلام والفتح وبيت المقدس، إلى آخر القائمة، والتى ظهرت بسرعة وحصلت على أسلحة حديثة وسيارات دفع رباعى وتمويلات ضخمة، كانت تخوض حروبها بشعارات دينية، بينما نتائج أعمالها تصب فى صناديق الفوضى وتفتح أبواب التدخلات والتقسيمات، وكانت هذه التنظيمات تستقبل مقاتلين من دول أوروبا، تحت سمع وبصر الأجهزة الأمنية الأوروبية، قبل أن يتحولوا إلى أزمة أمنية وتمثل عودتهم أزمة لبلادهم، الأمر الذى جعلهم مجرد مرتزقة جاهزين للعب دور لصالح من يدفع لهم أو يقدم لهم ملاذات آمنة، وتم نقل بعضهم إلى ليبيا وأفريقيا للعب دور فى الحروب بالوكالة.
ظلت إسرائيل بعيدة عن التهديد من كل التنظيمات، بل إنها التقطت أنفاسها من انشغال دول عربية فى حروب أهلية وطائفية أو مشكلات اقتصادية وسياسية، وحتى الدول التى لم تطلها رياح الصراعات واجهت تهديدات وأنشطة إرهابية من داعش وأخواتها.
كل هذا يشير إلى أن التحركات الإرهابية وداعش وأخواته، لم يكونوا بعيدا عن مخططات الفوضى، بل إن أنشطة التنظيمات الإرهابية فى سيناء، تبدو اليوم كأنها جزء من مخطط انتزاع أرض لتطبيق مخططات التصفية والتهجير، وانتبهت مصر إلى هذه المخططات وخاضت حربا فى مواجهة إرهاب فكك دولا وأدخل أخرى فى فوضى، وكانت هزيمة الإرهاب فى مصر مقدمة لهزيمته فى باقى الإقليم، لكن تبقت فلول جاهزة للقيام بحروب لمن يدفع.
من هنا يمكن تفهم العودة المفاجئة لتنظيم القاعدة أو النصرة الذى غير اسمه وأطلق على نفسه اسم «أنصار الشام»، وهو خليط من فلول وبقايا المرتزقة، وقد استغل بعض الخلخلة فى الحروب الدائرة فى لبنان، وضربات إسرائيلية لمقاتلى إيران وحزب الله، وسعى لتكرار الصورة السابقة وإعلان الاستيلاء على مناطق فى حلب وحماة، وهى خطوة بدت للبعض مفاجئة لكنها توقفت بشكل كبير على ارتباكات الجبهات، لكنها أيضا تبدو خطوة مرتبطة بالتحركات الإسرائيلية ضمن مخططات الإرباك والتقاطع مع ما يجرى فى الإقليم.
وبالتالى فإن التحرك أقرب إلى إسناد الجبهة الإسرائيلية، وإرباك الجبهات الأخرى، ولا علاقة له بأى نوع من السعى لحرية أو نشر الديمقراطية، كما يزعم بعض من لجان ومحللى التنظيمات المختلفة، التى بدت هى الرابح الوحيد من فوضى التغيير المزعوم، ولا علاقة له بالطغاة والغزاة، كما يردد الدونيون عشاق الأفرنجى، وتثبت التجربة أن مواجهة الأخطاء والتسلط تتطلب مسارات سياسية، بعيدا عن التدخلات الخارجية لدول ومصالح وأجهزة هدفها اقتسام الثروات، وإنتاج المزيد من الإرهابيين والطغاة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة