لا نؤمن بنظرية المؤامرة، مع الاعتراف بأن المؤامرات صارت طقسا سياسيا معلنا على هذا الكوكب، ولا نبحث عن لى عنق الحقيقة، ولكن نبحث عن مساحات للتفكير والتدبير، من باب المؤمن كيس فطن، وندشن لفضيلة الاجتهاد، وإعمال العقل والاستنارة، من خلال ربط الأحداث وتفكيك الألغاز. تأسيسا على ذلك، نعود لتاريخ تأسيس جماعة الإخوان، والمتزامن مع تواريخ تأسيس كيانات واتخاذ قرارات ووعود تاريخية جلبت الوبال على المنطقة العربية برمتها.
الحكاية بدأت عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، عندما توالى ترتيب عقد سلسلة مؤتمرات لإعادة صياغة الخريطة الجغرافية فى العالم، من بينها المؤتمر الذى عقد عام 1919 فى باريس، شارك فيه مندوبون أكثر من 32 دولة وكيانا سياسيا، وبحضور «الأربعة الكبار» وودرو ويلسون، رئيس الولايات المتحدة، وديفيد لويد جورج، رئيس وزراء بريطانيا، وجورج كليمنصو، رئيس وزراء فرنسا، وفيتوريو إيمانويل أورلاندو، رئيس وزراء إيطاليا، وصاغوا 5 معاهدات كبرى، منها تقسيم أملاك الدولة العثمانية، ورسم حدود جديدة لبعض الدول وأنشئت دول لم تكن موجودة من قبل.
وفى 22 مارس عام 1928 تأسست جماعة الإخوان، واتخذت الإسماعيلية مقرا لها تحت زعم النضال والكفاح ضد الاحتلال البريطانى، وهو أمر كذبته الوثائق والممارسات على الأرض، حيث عقدت الجماعة الإرهابية العديد من الصفقات السياسية مع بريطانيا بشهادة عدد كبير من المؤرخين والمهتمين بشأن جماعات الإسلام السياسى، وجميعهم أكدوا أن هذه الجماعة هى صنيعة المخابرات البريطانية، لتحقيق أهداف تأسيس «إسرائيل الكبرى من النيل للفرات»، والتأكيد الثانى عمق العلاقة التى تربط بريطانيا بالإخوان حتى الآن!
وفى عام 1940 تأسست جماعة الإخوان فى سوريا، واعتبرت نفسها فرعا من الجماعة «الأم» فى مصر، وما حدث من الإخوان وممارساتهم وتورطهم فى حريق القاهرة وارتكاب سلسلة اغتيالات منها النقراشى باشا والخازندار، وجميعها تصب فى مصلحة المحتل البريطانى، ثم صدامها مع جمال عبدالناصر، حاولت استنساخه وتطبيقه فى سوريا، عندما نفذت مذبحة لمجموعة طلاب «المدفعية» - لاحظ طلاب حربية - فى يونيو 1979 وسلحت كوادرها وحاولت الاستقلال بمدينة «حماة»، فكان الرد عنيفا وقويا من النظام حينها، وقرر الرئيس حافظ الأسد حظر الجماعة وشن حملة تصفية واسعة فى صفوفها، وأصدر القانون 49 عام 1980 الذى يعاقب بالإعدام لكل من ينتمى إليها، وهو ما يفسر أيضا سر عداء الإخوان المخيف لبشار الأسد.
وفى عام 1945 وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، تأسست الإخوان فى غزة، برئاسة الحاج ظافر الشّوا، تحت زعم الكفاح المسلح ضد الكيان الصهيونى وتحرير الأرض، وصنعت ما صنعت من تمزيق وحدة الصف الفلسطينى، ومؤخرا اتخذت من غزة وطنا فلسطينيا مستقلا، وبدلا من أن يتوحد أبناء فلسطين فى خندق واحد للكفاح ضد الإسرائيليين، رفع إخوان غزة السلاح والنضال ضد أبناء وطنهم، وأبناء عمومتهم العرب، ثم وصلنا للتاريخ الفاصل 7 أكتوبر 2023 والذى فتح نيران جهنم على القضية الفلسطينية والمنطقة برمتها!
وفى نفس العام الذى تأسست فيه الجماعة الإرهابية فى غزة، أعلنت تأسيسها أيضا فى الأردن بالتنسيق مع جماعة الإخوان المسلمين فى مصر.
وفى عام 1949 تأسست الجماعة فى العراق، واعتبرت نفسها أيضا فرعا من الأم فى مصر، ومارست نفس الممارسات العنيفة والمسلحة، ما دفع الرئيس العراقى عبدالكريم قاسم إلى إصدار قرار بحل الجماعة واعتقال قياداتها فى أكتوبر 1960 وتجريم الانتماء إليها، واستمرت الجماعة فى العمل السرى كالعادة.
وبعد هذا السرد التاريخى المبسط والمختصر، يقفز السؤال: ما علاقة تأسيس الجماعة فى الدول الأربع، بشكل عام، ومصر وسوريا والعراق على وجه الخصوص، بمشروع إسرائيل الكبرى من النيل للفرات؟
للإجابة نعود لسردية «إسرائيل الكبرى أو أرض إسرائيل الكاملة»، وهى سردية لم تقم على أكتاف النظريات السياسية الاستعمارية التوسعية فحسب، ولكن وفقا لعقيدة دينية - كما يزعمون - تعهد فيها الله لسيدنا إبراهيم أنه ورد فى التوراة، سفر التكوين الإصحاح 15 الآيات أرقام 18و19 و20 و12 والتى تقول نصا: «فى ذلك اليوم عقد الله ميثاقا مع أبرام، قائلا: سأعطى نسلك هذه الأرض من وادى العريش إلى النهر الكبير، نهر الفرات.. أرض القينيين والقنزيين والقدمونيين والحثيين والفرزيين والرفائيين والأموريين والكنعانيين والجرجاشيين واليبوسيين».
تاريخيا هذه الأقوام الرحالة كانت منتشرة فى العراق وسوريا وفلسطين ونهر الأردن ومصر، ومن ثم فإن مقدرات هذه الدول الثلاث على وجه الخصوص بجانب الشام، هى غنيمة وهبة ربانية للصهاينة تعهد بها الرب لسيدنا إبراهيم.
وبعيدا عما إذا كانت التوراة محرفة، وأن هذه الآيات تحديدا مدسوسة، إلا أنها تظل عقيدة لكل اليهود فى العالم بصفة عامة، والصهاينة بشكل خاص، تسعى بكل الوسائل لتحقيق هذا الوعد والعهد، بأن تصبح حدود إسرائيل الكبرى من النيل للفرات.
لذلك، فإنه لا يمكن أن تبتعد دوائر الشك عن سبب تأسيس جماعة الإخوان الإرهابية، والتأكيد أنها لخدمة مخطط إقامة «إسرائيل الكبرى من النيل للفرات».. وأن تأسيسها كان لإثارة القلق والفوضى فى دول الطوق المحورية لإسرائيل «مصر والأردن وغزة بجانب العراق وسوريا».
لذلك لا عجب فى أنها لعبت دورا تخريبيا فى العراق، من خلال دعم تنظيم القاعدة لإسقاط بغداد فى وحل الفوضى، ثم الدور الأقذر الذى لعبته فيما يطلق عليه زورا وبهتانا ثورات الربيع العربى، فى مصر وسوريا وليبيا، واستحدثت جماعات وتنظيمات جديدة تحت مسميات «داعش وجبهة النصرة وأنصار بيت المقدس» وغيرها من المسميات التى تنفذ مخططات إسقاط دول الطوق فى مستنقع الفوضى، لصالح إسرائيل الكبرى من النيل للفرات، ودورها حاليا فى سوريا!
التاريخ كاشف، وأحداثه ووقائعه مترابطة، ولا يمكن فصل حدث عن الآخر، جميعها تحمل أسبابا وأهدافا «متهندسة» على مسطرة أهداف المستعمرين الطامعين!