حينما حدث هذا "التسوماني في الوطن العربي في العقود الأخيرة وما صاحبه من التحولات السياسية والجذرية التي جاءت بالأخضر واليابس في طريقها" ، وجعلت العالم يتساءل عن سر هذا الحراك الشعبي العربي الجمعي الذي ظهر بعد ان تجسدت في الأذهان صورة خاملة للرأي العام العربي وأنه لا يحرك ساكنا ، ومن بدا انه لا يهتم سياسيا عبر عن رأيه عاليا ..وبغض النظر عن أن ربما هناك أسباب خفية وأخري معلنة لما حدث من تغييرات سياسية ، أو أن هذا الرأي العام هو رأيا منضبطا رشيدا واعيا أم لا ؟.. ولكن المظهر الأبرز أن الرأي العام صار له صوت وقتها بشكل غير متوقع .
ومع تزايد انتشار ثورة التكنولوجيا وظهور ظاهرة المواطن الصحفي والمؤثرين الرقميين الذي أصبحوا يملكون القدرة علي تشكيل الرأي العام وأتحاهاته والتي يمكن في كثير من الأحيان أن تخلق رأيا عاما منفلتا فيثار هنا التساؤل؛ كيف يمكن ان يساعد الإعلام في خلق رأيا عاما مستنيرا وليس غوغائيا ..هذا الرأي المستنير الواعي هو أحوج ما نكون إليه الآن في تلك اللحظة الصعبة من تاريخ الأمة وهي ترسم من جديد ملامح مختلفة لها .
حيث ثبت ان الإعلام يرتبط إرتباط وثيق بالمكون السلوكي والسياسى للإفراد ويحفزهم على المشاركة وصناعة الوعي والرأي العام.
وهو ما يجب معه الوقوف امام ظاهرة الرأي العام وتكوينه وعوامله وأنواعه ليتسني التعامل معه بقراءة واعية له .
ويعتبر الرأي العام هو ما يتفق عليه مجموعة معينة من الأفراد حول موضوع معين أو قضية ما تكون محل إهتمام الجمهور وتحمل وجهات نظر متباينة أو مختلفة،وهو أيضا تعبير جمعي لآراء مجموعة من الأفراد تجمعهم أهداف وحاجات وطموحات واحدة.
أما من الناحية السيكولوجية فالرأي العام يحدد أساسا بالمصلحة الشخصية للفرد،بمعنى أن أي حدث أو قضية أو موضوع له علاقة وإرتباط مباشر بالمصلحة الشخصية للفرد فإن كل ذلك سوف يؤثر على رأي الفرد،وبالتالي فإن الرأي العام يحكم إتجاه وتفكير وإرادة المجموعة كلها أو معظمها
وعلى الرغم من كثرة تلك التعريفات المختلفة ، فإنه يمكننا أن نستخلص أن الرأى العام هو أى تعبير عن موقف من قضية متنازع عليها قابلة للجدل ، وبالتالى فالرأى العام هو ذلك الرأى الذى ينتج عن المؤثرات وردود الأفعال المتبادلة بين أفراد أية جماعة كبير من الناس، حيث تحدث عملية نشوء الرأى بين جماعات متباينة من حيث الحجم والعدد ، وفى أى وقت قد يسود الجماعة رأى معين ذو سيطرة وسلطان عليهم ، وعلى الجانب الآخر فإنه قد لاتوجد الغالبية التى تعبر عن رأى محدد
فالرأي العام ظاهرة اجتماعية سلوكية توجد في جميع المجتمعات الانسانية، وذلك كمجموعة اتجاهات تسيطر على الجماعة إزاء مشكلة ما ويعبر عن رأي الأغلبية".
ويجب توفر الإتفاق الجماعي لدى غالبية فئات الشعب تجاه أمر ما أو ظاهرة حيث يرى الاجتماعيّون ان الرأي العام هو "الحكم الرشيد لمجموعة من الناس إزاء قضية مختلف عليها من خلال المواقف المختلفة التي يعبر فيها الناس عن أرائهم إما من تلقاء نفسه او بناء على دعوة توجه اليهم سواء مؤيدين أو معارضين مما يترتب عليه احتمال القيام بعمل مباشر أو غير مباشر
ولقد أصبحت المجتمعات الحالية تعتمد بشكل كبير فى تأدية وظيفتها على الاتصال الجماهيرى، وعلى عمليات تداول الأفكار والمعلومات، مما جعل مجال الرأى العام مجالا حيويا للمواطنين والباحثين ليؤدى كل منهما دوره من خلاله، وكنتيجة لأهمية الرأى العام وتأثيره على القيادات والمؤسسات وعلى السياسات العامة للدول; فقد أضحى الاهتمام بدراسات الرأى العام وتطوير أساليب معرفة نتائجها يأخذ حيزاً كبير لدى العديد من باحثى العلوم السياسية والاعلامية.
والاحداث السياسية الحالية داخليا وخارجيا أكبر دليل على تأثير الرأى العام ولكن يمكننا أن نعتبر الرأى العام هو العامل الأبرز فى تشكيل النظام المجتمعي بصرف النظر عن مدى وعى الجماهير بذلك ، أيضاً كان اتجاه الرأى العام وكذلك له
تأثير كبير على نسبة المشاركة
ومن هنا نجد أن عملية نشوء الرأى هى تبادل المؤثرات وردود الأفعال التى تحدث بين أفراد الجماعة حول الموضوع المتنازع عليه والقابل للجدل ، ونجد أن تلك الكتل والجماعات والجماهير تتأثر بالعديد من العوامل التى تشكل توجهاتها وتأتى بالمحصلة على الناتج النهائى للرأى العام ، وبالتالى فالرأى العام يعكس الكثير من خصائص المجتمع من خلال تلك العوامل والعمليات التفاعلية بينها وتشكل سلوكه وتجعل الرأى العام فى مجتمع من المجتمعات يختلف عن الرأى العام فى مجتمع آخر ، وهذة العوامل هى : العوامل الاجتماعية ، العوامل الاقتصادية ، العوامل الثقافية ، العوامل السياسية ).
ويمكن تقسيم الرأي العام حسب الافراد المكونين له: بين الرأي الشخصي والرأي الخاص:
فالرأي الشخصي :هو الذي يكونه الفرد لنفسه بعد التفكير في موضوع معين بينما الرأي الخاص هو ما يحتفظ به الفرد لنفسه ولا يبوح به لغيره والرأي العام فهو إتجاه جماعة من الناس نحو مشكلة او حادث معين ويتميز بثباته النسبي وأنه أقل تعرض للتغيير او التحول.
بينما الرأي العام الوطني: يرتبط بالوطن او الدولة ويتميز بــ(التجانس، وإمكانية التوقع به ومعالجته للمشاكل القومية)
وهناك متغيرات أساسية تساهم وتزيد من قوة تأثير وسائل الإعلام وهي التأثير الكمي من خلال التكرار حيث تقوم وسائل الاعلام بتقديم رسائل إعلامية متشابهة ومتكررة حول قضية ما أو موضوع ما أو شخصية محددة بحيث يؤدي هذا العرض التراكمي إلى التأثير على المتلقي على المدى البعيد ، دون إرادة منه، شاء أم أبى، ومهما كانت قوة حصانة المتلقي ضد الرسالة الاعلامية.
ثم التحكم والتأثير الشامل علي المتلقي ومعناه: إن وسائل الإعلام تسيطر على الإنسان وتحاصره في كل مكان، في الشارع، ومكان العمل، والبيت، وتهيمن على بيئة المعلومات المتاحة له، وعلى مصادر المعلومات، مما ينتج عنه تأثيرات شاملة على الفرد يصعب عليه الخلاص منها، بحيث تشكل دون إرادة منه، كل نظرته ورأيه للعالم والأشياء.
والتجانس والهيمنة الاعلامية لها دور وهذا يعني بأن القائمين على الاتصال والعاملين في الوسط الاعلامي يقدمون رسائلهم الاعلامية انسجاما مع مواقف في توجيه الرأي العام للجمهور، بحيث يؤدي ذلك الى تشابه توجهاتهم وتشابه المنطق الاخلاقي للعمل الاعلامي الذي يقومون به، ويؤدي ذلك إلى تشابه الرسائل الاعلامية التي تتناقلها وسائل الاعلام المختلفة، مما يزيد من قوة تأثيرها على المتلقي.
كل هذه العوامل تؤدي إلى تقليل فرصة الفرد المتلقي في أن يكون لنفسه رأيا مستقلا حول القضايا المثارة، وبالتالي تزداد فرصة وسائل الإعلام في تكوين الأفكار والإتجاهات المؤثرة في الرأي العام.
وهناك عوامل عديدة تجعل الناس يحرصون على إبداء وجهات نظرهم والمشاركة بآرائهم، منها: إبداء الرأي يمنح المرء إحساسا بالانتماءإلى رأي الأغلبية، بينما حينما يكون للفرد رأي مخالف فأنه يصمت.
ويميل المرء إلى التخاطب مع من يتفقون معه بالآراء أكثر من من يختلفون معه.
فتقدير المرء لذاته يدفعه إلى إبداء رأيه ويميل الافراد إلى ابداء آرائهم عندما يشعرون انهم أكبر عددا ويمثلون الاغلبية، وأحيانا تشجعهم القوانين على ذلك.
بينما في غير هذه الحالات سوف يميل الفرد لالتزام الصمت، ويزداد هذا الصمت كلما إزداد الضغط لصالح رأي الأغلبية.
وكل السطور السابقة هي مساهمة في محاولة وضع خطوط واضحة ومساعدة في رسم خارطة طريق لصناعة الرأي العام الواعي يجب علي المهتمين بصناعته الإنتباه إليها حيث اصبحت صناعة الرأي العام الان هي فن وعلم يدرس من منطلق اهميته الكبيرة في تشكيل اتجاهات وسلوكيات الجمهور العربي بطريقة سليمة ورشيدة وتصب في إطار الاصطفاف الوطني وخطط البناء ًوالتنمبة وهي وكلها عناصر اساسية عند بناء منظومة الرأي العام للشعوب العربي فمن المهم لمن يريد ان يساهم إيجابيا في صناعة الوعي العام العربي الآن ان يسعي الي بناء مقاربة جديدة للعلاقة بين السياسة وتشكيل إتجاهات الرأي العام من خلال رصد نموذج علاقة الإعتماد بين الإعلام والسياسة ودورها في تشكيل الرأي العام تجاه القضايا المختلفة من أجل الوصول إلي تكوين رأي عام مستنير يساهم في صياغة القرارات والمشاركة السياسية والمجتمعية بوعي ومسئولية .
وهو الأمر الذى من شأنه إن يشجع باحثو الإتصال والأعلام إلى تكثيف بحث هذه العلاقة مع الجمهور ودراسة مدى تأثيرها من حيث تقليل سلبياتها وتعظيم إيجابياتها بشكل أفضل وصولا إلى الاستفادة المثلي منها لصالح المواطن العربى من أجل مزيد من التنوير والإدراك لفهم أكبر سواء على مستوى الداخل أو على مستوى ملامح الخريطة السياسية الخارجية .
وهو الأمر الذى يلقى بمسئولية كبيرة على كل
صانعي القرار سواء على الشئون السياسية أو الاتصالية من أجل التعاون سويا لصالح هذا المواطن ورأيه العام الذى يحتاج إلى رسائل إعلام موضوعية وصادقة تبتعد عن التزييف وتساهم في مزيد من الوعي والمسئولية المجتمعية تجاه الوطن من اجل مسيرة البناء والإنطلاق للمستقبل .
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة