في عالمٍ يقاس فيه الحضور على الشاشة بثقل الكلمات ورقة الإحساس، كانت "فريدة الزمر" واحدة من تلك الأيقونات التي صنعت تاريخًا ناطقًا بإبداع الإعلاميات المصريات، وجهها لم يكن مجرد انعكاس للإضاءة الكامنة خلف الكاميرات، بل كان مرآةً لعصرٍ تغنت فيه الشاشة بحكايات الشعب، بلهجة بسيطة ونبرة مليئة بالثقة.
ولدت فريدة الزمر في زمنٍ كانت الكلمة فيه أقوى من الصورة، لكن بحضورها الآسر وأدائها الفريد، مزجت بين الاثنين لتخلق تجربة إعلامية خاصة، كانت الشاشة الصغيرة ملعبها الكبير، حيث حملت صوت الناس وقضاياهم لتصل إلى كل بيت.
بدايتها في التلفزيون المصري لم تكن مجرد محطة عمل، بل كانت نافذة فتحتها على آفاقٍ أكبر، جعلت منها نموذجًا للمرأة القادرة على تحقيق المعادلة الصعبة بين التميز المهني والروح الإنسانية.
"صباح الخير يا مصر".. عبارةٌ عادية تتحول على لسان فريدة إلى لحنٍ يوقظ القلوب قبل العيون، من خلال برامجها، لم تكن فقط تقرأ الأخبار، بل كانت تزرع الأمل بين سطورها، اختياراتها في الحوارات والأسئلة كانت أشبه بمعزوفةٍ تصقل عقول مشاهديها، تجمع بين المهنية والرقي دون استعراضٍ زائف.
وراء الكاميرا، كانت فريدة إنسانةً تحمل قلبًا بحجم رسالتها، لم تخلُ حياتها من التحديات، لكن قوتها الداخلية كانت دائمًا مصدر إلهام، كانت تؤمن بأن الإعلام رسالة قبل أن يكون مهنة، وأن الكلمة الحقيقية تحمل على عاتقها مسؤولية بناء الإنسان قبل أي شيء آخر.
رحيلها عن الشاشة لم يكن وداعًا، بل تركت وراءها أرشيفًا من الذكريات التي لن يطويها الزمن، في كل مرة تظهر فيها إعادة لأحد برامجها، يتوقف الزمن للحظة، وكأن صوتها يذكرنا بأن الإعلام كان وما زال أداة تواصلٍ، وليست مجرد وسيلةٍ للعرض.
"فريدة الزمر" ليست مجرد اسمٍ في تاريخ الإعلام المصري، بل صفحةٌ ناصعة البياض تحمل بين سطورها درسًا خالدًا: أن التميز ليس في البقاء طويلًا، بل في ترك أثرٍ لا يمحوه الزمن.
وهكذا تبقى فريدة، صوتًا عابرًا للأجيال، ومرآةً تعكس الوجه الحقيقي للإعلام الذي نحتاجه دائمًا.