منذ بداية ظهور الإسلام، وهو يتَّسِم بالسماحة والرُقِيّ، فبالبحث في آيات القرآن الكريم، ستجد آيات تتحدث عن المساواة بين الرجل والمرأة في الأجر، كقوله تعالى في سورة النساء: "ومَن يعملْ من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة...".
وهناك آيات أخرى تتحدث عن النساء الصالحات، كقوله تعالى في سورة التحريم: "وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت ربِ ابنِ لي عندك بيتًا في الجنة..."، وقد ساوى الله بين الرجل والمرأة في الرزق، قال تعالى في سورة النساء: "ولا تتمنَّوْا ما فضَّل الله به بعضكم على بعض، للرجل نصيب مِمّا اكتسبوا وللنساء نصيب مِمّا اكتسبْن...".
وفي السُنّة، سنجد أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم، أوصى بالنساء خيرًا، قال صلى الله عليه وسلم: "استوصوا بالنساء خيرًا"، كما شجَّع الإسلام على عمل المرأة، ووضع لهنَّ الشروط، التي تُساعِدهنَّ في ذلك، وهناك صحابيات مارسن مهن متعددة في وقت واحد، كالشفاء بنت عبد الله رضي الله عنها، والتي سنعرف قصتها، في هذا التقرير.
اختلف البعض في اسمها، فبعضهم يقول أنَّ اسمها ليلى، ولُقِّبَت بالشفاء، والبعض الآخر يؤكد أنَّ اسمها الشفاء، وهي بنت عبد الله بن عبد شمس العدوِيِّ القرشِّي، فهي من أبناء عمِّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأمها فاطمة المخزومية، أخت جدة الرسول صلى الله عليه وسلم لأبيه، وهي من أوائل المسلمات، وقد هاجرت الهجرتين، إلى الحبشة وإلى المدينة.
كانت الشفاء أول معلمة في الإسلام، إذ كانت تُعَلِّم القراءة والكتابة، للصحابيات والصبيان الصغار، وقد أعطاها الرسول صلى الله عليه وسلم دارًا في المدينة، فأقامت بها واستضافت طلابها، ومن بين النساء اللاتي تعلَّمنَ على يديها، حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
كانت الشفاء تمارس مهنة الطب قبل الإسلام وبعده، فكانت في الجاهلية تُداوي الأمراض الجلدية بالرقية، لكنها امتنعت عن هذا بعد الإسلام، حتى أصيب أحد الأنصار بداء النملة، وهو داءٌ يُصيب الجنب بقروح، حتى أنَّ المرأ يشعر وكأنَّ النمل يمشي على جسده، وحين سأل عن دواء لحالته، أخبروه أنّ الشفاء كانت تُعالج هذا المرض بالرقية، فذهب إليها فأخبرته أنها لم ترقِ منذ أسلمت، وأنها لن تفعل حتى يأذن لها رسول الله، فذهب الرجل إلى رسول الله، وأخبره ما كان منها، فدعاها إليه وقال: "اعرضي عليَّ الرقية"، ففعلت، فقال: "ارقِ بها، وعلِّميها حفصة"، وقد قِبل رسول الله رقيتها، لأنها لم يكن بها استعانة بغير الله.
وقد كانت الشفاء من النساء اللاتي يُداوين الجرحى في الغزوات، وتزوجت الشفاء مرتين، الأولى من أبي حثمة بن حذيفة العدوي، وأنجبت له سليمان، وبعد موته تزوجت أخيه مرزوق بن حذيفة، وأنجبت له أبا حكيم.
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يزور زوجها ويقيل عندهما، وقد خصّصا له إزارًا وفراشًا لذلك، وقد احتفظ به أبناؤها، حتى أخذه مروان بن الحكم.
كانت الشفاء من فُضليات نساء الصحابة وعُقلائهنّ، وقد روت 12 حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما كان عمر بن الخطاب يستشيرها ويأخذ رأيها، وقد ولاها أمر الحسبة في السوق، ودليل ذلك في الأثر: "أنها رأت فتيانًا يتباطؤون في المشي، فقالت ما هذا؟ فقالوا نُسّاك، فقالت: كان والله عمر بن الخطاب إذا مشى أسرع، وإذا تكلَّم أسمع، وإذا ضرب أوجع"، ويبدو أنَّ هذا من أمر الحسبة، كما أنها كانت مسؤولة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للنساء. وتوفيت الشفاء سنة 20 للهجرة، أي نحو عام 640 للميلاد.